تحسينه الاقتصار على التوراة بسبب أنّه دين اتفق الكلّ على أنه حقّ ، بسبب أنّه جاء في التوراة : وتمسّكوا بالسبت ما دامت السموات والأرض ، فيكون المراد من خطوات الشيطان الشبهات التي يتمسّكون بها في بقاء تلك الشريعة (١).
قال ابن عبّاس : نزلت الآية في أهل الكتاب ، والمعنى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بموسى وعيسى «ادخلوا» في الإسلام بمحمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ «كافّة» (٢).
وروى «مسلم» عن أبي هريرة ، عن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قال : والّذي نفس محمّد بيده ، لا يسمع بي أحد من هذه الأمّة يهوديّ ولا نصرانيّ ، ثمّ لم يؤمن بالّذي أرسلت به إلّا كان من أصحاب النّار (٣).
ورابعها : أنّ المراد بهذا الخطاب المسلمون ، والمعنى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) دوموا على الإسلام فيما بقي من العمر ولا تخرجوا عنه (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) أي : ولا تلتفتوا إلى الشّبهات التي يلقيها إليكم أصحاب الضلالة والغواية (٤).
قال حذيفة بن اليمان في هذه الآية : الإسلام ثمانية أسهم : الصلاة سهم ، والزكاة سهم ، والصدقة سهم ، والحجّ سهم ، والعمرة سهم ، والجهاد سهم ، والأمر بالمعروف سهم ، والنّهي عن المنكر سهم ، وقد خاب من لا سهم له (٥).
فإن قيل : المؤمن الموصوف بالشيء يقال له : دم عليه ، ولا يقال له : ادخل فيه ، والمذكور في الآية هو قوله : «ادخلوا».
فالجواب : الكائن في الدار إذا علم أنّ له في المستقبل خروجا عنها ، فلا يمتنع أن يؤمر بدخولها في المستقبل ، وإن كان في الحال كائنا فيها ؛ لأن حال كونه فيها غير الحالة التي أمر أن يدخل فيها ، فإذا كان في الوقت الثاني قد يخرج عنها ، صحّ أن يؤمر بدخولها.
وقال آخرون : المراد ب «السّلم» في الآية الصّلح ، وترك المحاربة والمنازعة ، والتقدير : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) ، أي : كونوا مجتمعين في نصرة الدين واحتمال البلوى فيه (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) بأن يحملكم على طلب الدّنيا ، والمنازعة مع الناس ، فهو كقوله : (وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [الأنفال : ٤٦] ، وقوله : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) [آل عمران : ١٠٣].
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١٧٦.
(٢) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ١٨.
(٣) تقدم.
(٤) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٥ / ١٧٦.
(٥) انظر : تفسير القرطبي «الجامع لأحكام القرآن» (٣ / ١٧ ـ ١٨) فقد ذكر هذا الأثر عن حذيفة بن اليمان.