قوله تعالى : (مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ).
إنه ـ تعالى ـ لم يرد بذلك أنه نفس العلم ، بل المراد الدّلائل والآيات والمعجزات ؛ لأن ذلك من طرق العلم ، فيكون ذلك من باب إطلاق اسم الأثر على المؤثّر ، والغرض من هذه الاستعارة هو المبالغة [والتعظيم في](١) أمر النبوات والمعجزات بأنه سمّاها باسم العلم ، وذلك ينبّهك على أن العلم أعظم المخلوقات شرفا ومرتبة ، ودلّت الآية على أن توجه الوعيد على العلماء أشدّ من توجّهه على غيرهم.
[قوله تعالى : (إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) أي إنّك لو فعلت ذلك لكنت بمنزلة القوم في كفرهم ، وظلمهم أنفسهم](٢).
و «إذا» حرف جواب وجزاء بنص سيبويه ، وتنصب المضارع بثلاثة شروط :
أن تكون صدرا ، وألا يفصل بينها وبين الفعل بغير الظرف والقسم ، وألا يكون الفعل حالا ، ودخلت هنا بين اسم «إن» وخبرها لتقرير النسبة بينهما وكان حدها أن تتقدم أو تتأخر ، فلم تتقدم ، لأنه سبق قسم وشرط والجواب هو للقسم ، فلو تقدمت لتوهّم أنها لتقرير النسبة التي بين الشرط والجواب المحذوف ، ولم تتأخر لئلا تفوت مناسبة الفواصل رؤوس الآي.
قال أبو حيان : وتحرير معنى «إذا» صعب اضطراب الناس في معناها ، وفي فهم كلام سيبويه فيها ، وهو أن معناها الجواب والجزاء.
قال : والذي تحصل فيها أنها لا تقع ابتداء كلام ، بل لا بد أن يسبقها كلام لفظا أو تقديرا ، وما بعدها في اللفظ أو التقدير ، وإن كان متسببا عما قبلها فهي في ذلك على وجهين :
أحدهما : أن تدلّ على إنشاء الارتباط والشرط ، بحيث لا يفهم الارتباط من غيرها ، مثال ذلك : أزورك فتقول : إذا أزورك ، فإنما تريد الآن أن تجعل فعله شرطا لفعلك ، وإنشاء السببية في ثاني حال من ضرورته أن يكون في الجواب ، وبالفعلية في زمان مستقبل ، وفي هذا الوجه تكون عاملة ، ولعملها شروط مذكورة في النحو.
الوجه الثاني : أن تكون مؤكّدة لجواب ارتبط بمقدم ، أو منبّهة على مسبب حصل في الحال ، وهي في الحالين غير عاملة ؛ لأن المؤكدات لا يعتمد عليها والعامل يعتمد عليه ، وذلك ، نحو : «إن تأتني إذا آتك» ، و «والله إذا لأفعلن» فلو أسقطت «إذا» لفهم الارتباط ، ولما كانت في هذا الوجه غير معتمد عليها جاز دخولها على الجملة الاسمية الصريحة نحو : «أزورك» فتقول : «إذا أنا أكرمك» ، وجاز توسطها نحو : «أنا إذا أكرمك» وتأخرها ، وإذا تقرر هذا فجاءت «إذا» في الآية مؤكدة للجواب المرتبط بما تقدم ، وإنما
__________________
(١) في أ : في تعظيم.
(٢) سقط في ب.