المولود لو ترك مع فطرته الأصلية ، لما كان على شيء من الأديان الباطلة ، وأنّه إنّما يقدم على الدين الباطل ، لأسباب خارجية.
وقال الكلبيّ (١) : هم أهل سفينة نوح ، لما غرقت الأرض بالطوفان ، لم يبق إلّا أهل السفينة على الحق ، والدّين الصّحيح ، ثم اختلفوا بعد ذلك ؛ وهذا مما ثبت بالتّواتر.
وقال مجاهد : أراد آدم وحده ، وكان أمّة واحدة ، وسمّى الواحد بلفظ الجمع ؛ لأنّه أصل النّسل ، وأبو البشر ، وخلق الله منه حوّاء ، ونشر منها (٢) الناس.
قال قتادة وعكرمة : كان الناس من وقت آدم إلى مبعث نوح ، وكان بينهما عشرة قرون كلّهم على شريعة واحدة من الحق ، والهدى ، ثم اختلفوا في زمن نوح ـ عليهالسلام ـ فبعث الله إليهم نوحا ، وكان أوّل بني بعث (٣).
وحكى القرطبيّ (٤) : قال ابن أبي خيثمة : منذ خلق الله آدم ـ عليهالسلام ـ إلى أن بعث الله محمدا ـ صلىاللهعليهوسلم ـ خمسة آلاف سنة وثمانمائة سنة ، وقيل : أكثر من ذلك ، وكان بينه وبين نوح ألف سنة ومائتا سنة ، وعاش آدم تسعمائة وستين سنة ، وكان الناس في زمانه أمة واحدة ، على ملّة واحدة متمسكين بالدّين ، تصافحهم الملائكة ، وداموا على ذلك إلى أن رفع إدريس ـ عليهالسلام ـ فاختلفوا.
قال (٥) : وهذا فيه نظر ؛ لأنّ إدريس بعد نوح على الصحيح.
وقيل : كان العرب على دين إبراهيم إلى أن غيّره عمرو بن لحيّ.
وروى أبو العالية ، عن أبيّ بن كعب قال : «كان النّاس حين عرضوا وأخرجوا من ظهر آدم ، وأقرّوا أمّة واحدة مسلمين كلهم ، ولم يكونوا أمّة واحدة قطّ غير ذلك اليوم ، ثم اختلفوا بعد آدم» (٦).
القول الثاني : أنّهم كانوا أمّة واحدة في الكفر ، وهو قول ابن عبّاس ، وعطاء ، والحسن(٧).
وقال الحسن وعطاء : كان الناس من وقت وفاة آدم إلى مبعث نوح أمّة واحدة على ملّة الكفر ؛ أمثال البهائم ، فبعث الله إبراهيم ـ عليهالسلام ـ وغيره من النبيين (٨) ، واستدلّوا بقوله (فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) وهو لا يليق إلا بذلك.
__________________
(١) ينظر : تفسير البغوي ١ / ١٨٦.
(٢) ينظر : تفسير البغوي ١ / ١٨٦.
(٣) ينظر : تفسير البغوي ١ / ١٨٦.
(٤) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ٢٢.
(٥) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ٢٢.
(٦) ينظر : تفسير البغوي ١ / ١٨٦.
(٧) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٢٧٥) وأورده السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٤٣٥) وزاد نسبته لابن أبي حاتم عن ابن عباس.
(٨) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٤٣٦) وعزاه لعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة بمعناه.