يقال : هل عندك رجل ، أم عندك امرأة؟ ولا يجوز أن يقال ابتداء أم عندك رجل ، فأمّا إذا كان متوسطا ، جاز سواء كان مسبوقا باستفهام آخر ، أو لا يكون ، أمّا إذا كان مسبوقا باستفهام آخر فهو كقولك : أنت رجل لا تنصف ، أفعن جهل تفعل هذا ، أم لك سلطان؟ وأمّا الّذي لا يكون مسبوقا بالاستفهام ؛ فكقوله : (الم تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) [السجدة : ١ ـ ٣] فكذا تقدير هذا الآية : فهدى الله الذين آمنوا فصبروا على استهزاء قومهم ، أفتسلكون سبيلهم أم تحسبون أن تدخلوا الجنّة من غير سلوك سبيلهم.
«حسب» هنا من أخوات «ظنّ» ، تنصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر ، و «أنّ» وما بعدها سادّة مسدّ المفعولين عند سيبويه ، ومسدّ الأول والثاني محذوف عند الأخفش ، كما تقدّم ، ومضارعها فيه الوجهان :
الفتح ـ وهو القياس ـ والكسر. ولها نظائر من الأفعال تأتي إن شاء الله تعالى في آخر السورة ، ومعنها الظّنّ ، وقد تستعمل في اليقين ؛ قال : [الطويل]
١٠٣٩ ـ حسبت التّقى والجود خير تجارة |
|
رباحا إذا ما المرء أصبح ثاقلا (١) |
ومصدرها : الحسبان. وتكون غير متعدية ، إذا كان معناها الشقرة ، تقول : زيد ، أي : اشقرّ ، فهو أحسب ، أي : أشقر.
قوله : (وَلَمَّا يَأْتِكُمْ) الواو للحال ، والجملة بعدها في محلّ نصب عليها ، أي : غير آتيكم مثلهم. و «لمّا» حرف جزم ، معناه النفي ؛ ك «لم» ، وهو أبلغ من النفي ب «لم» ؛ لأنّها لا تنفي إلّا الزمان المتّصل بزمان الحال. والفرق بينها وبين «لم» من وجوه :
أحدها : أنه قد يحذف الفعل بعدها في فصيح الكلام ، إذا دلّ عليه دليل.
وهو أحسن ما تخرّج عليه قراءة «وإن كلّا لمّا» كقوله : [الوافر]
١٠٤٠ ـ فجئت قبورهم بدءا ولمّا |
|
فناديت القبور فلم تجبنه (٢) |
أي : ولمّا أكن بدءا ، أي : مبتدئا ؛ بخلاف «لم» فإنه لا يجوز ذلك فيها إلا ضرورة ؛ كقوله : [الكامل]
__________________
(١) البيت للبيد بن ربيعة في ديوانه ص ٢٤٦ ؛ وأساس البلاغة ص ٤٦ (ثقل) ؛ والدرر ٢ / ٢٤٧ ؛ وشرح التصريح ١ / ٢٤٩ ؛ ولسان العرب (ثقل) ، والمقاصد النحوية ٢ / ٣٨٤ ؛ وأوضح المسالك ٢ / ٤٤ ؛ وتخليص الشواهد ص ٤٣٥ ؛ وشرح الأشموني ١ / ١٥٦ ؛ وشرح ابن عقيل ص ٢١٣ ؛ وشرح قطر الندى ص ٢٧٤ ؛ وهمع الهوامع ١ / ١٤٩ ، والدر المصون ١ / ٥٢٢.
(٢) تقدم برقم ٢٣٠.