فأتى بالمشتغل عنه منصوبا ، وأما تمثيله بقوله : لزيد أبوه ضاربه ، فتركيب غير عربي.
الثالث : أن «لكلّ وجهة» متعلق بقوله : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) أي : فاستبقوا الخيرات لكل وجهة ، وإنما قدم على العامل للاهتمام به ، كما تقدم المفعول ، كما ذكره ابن عطية.
ولا يجوز أن توجه هذه القراءة على أن «لكل وجهة» في موضع المفعول الثاني ل «مولّيها» ، والمفعول الأول هو المضاف إليه اسم الفاعل الذي هو «مولّ» ، وهو «ها» ، وتكون عائدة على الطوائف ، ويكون التقدير : وكلّ وجهة الله مولّي الطوائف أصحاب القبلات ، وزيدت «اللام» في المفعول لتقدمه ، ويكون العامل فرعا ؛ لأن النحويين نصّوا على أنه لا يجوز زيادة «اللام» للتقوية إلا في المتعدي لواحد فقط ، و «مولّ» مما يتعدّى لاثنين ، فامتنع ذلك فيه ، وهذا المانع هو الذي منع من الجواب عن الزمخشري فيما اعترض به أبو حيان عليه من كون الفعل إذا تعدى للظاهر ، فلا يتعدى لضميره ، وهو أنه كان يمكن أن يجاب عنه بأن الضمير المتصل ب «مول» ليس بضمير المفعول ، بل ضمير المصدر وهو التّولية ، ويكون المفعول الأول محذوفا والتقدير : الله مولي التولية كلّ وجهة أصحابها ، فلما قدم المفعول على العامل قوي ب «اللام» لو لا أنهم نصوا على المنع من زيادتها في المتعدي لاثنين وثلاثة.
قوله تعالى : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) «الخيرات» منصوبة على إسقاط حرف الجر ، التقدير : إلى الخيرات ، كقول الراعي : [الطويل]
٨٤٢ ـ ثنائي عليكم آل حرب ومن يمل |
|
سواكم فإنّي مهتد غير مائل (١) |
أي : إلى سواكم ، وذلك لأن «استبق» : إما بمعنى سبق المجرد ، أو بمعنى : تسابق [لا جائز أن يكون بمعنى : سبق ؛ لأن المعنى ليس على اسبقوا الخيرات ، فبقي أن يكون بمعنى : تسابق](٢) ولا يتعدى بنفسه.
و «الخيرات» جمع : خيرة ، وفيها احتمالان :
أحدهما : أن تكون مخففة من «خيّرة» بالتشديد بوزن «فيعلة» نحو : ميت في ميّت.
والثاني : أن تكون غير مخففة ، بل تثبت على «فعلة» بوزن «جفنة» ، يقال : رجل خير وامرأة خير ، وعلى كلا التقديرين فليسا للتفضيل.
والسبق : الوصول إلى الشيء أولا ، وأصله التقدم في السير ، ثم تجوز به في كل ما تقدم.
__________________
ـ (طها) ، وجمهرة اللغة : ص ٢٩٠ ، والأزهية : ص ١١٤ ، وأمالي المرتضى : ٢ / ٥٧ ، وأوضح المسالك : ٢ / ١٦٦ ، والرد على النحاة : ص ١٠٥ ، وشرح الأشموني : ١ / ١٩٠ ، والدر المصون : ١ / ٤٠٦.
(١) ينظر البحر المحيط : ١ / ٦١٢ ، الدر المصون : ١ / ٤٠٧.
(٢) سقط في أ.