ولا حاجة إلى هذا ، فإنه لا يصار إلى ذلك إلّا حيث تعذّر أن ينسبك منها ومما بعدها مصدر ، كما إذا اتصلت بجملة اسمية كالبيت المتقدم.
و «منكم» في محلّ نصب ؛ لأنه صفة ل «رسولا» ، وكذلك ما بعده من الجمل ، ويحتمل أن تكون الجمل بعده حالا لتخصيص النكرة بوصفها بقوله : «منكم» ، وأتي بهذه الصفات بصيغة المضارع ؛ لأنه يدل على التجدد والحدوث ، وهو مقصود هاهنا ، بخلاف كون «منهم» ، فإنه وصف ثابت له ، [وقوله : «فيكم» و «منكم» ، أي : من العرب ، وفي إرساله فيهم رسولا ، ومنهم نعم عليهم عظيمة ؛ لما لهم فيه من الشّرف ، وأن المشهور من حال العرب الأنفة الشديدة من الانقياد إلى الغير ، فبعثه الله ـ تعالى ـ من واسطتهم ليقرب قبولهم.
وقوله : (يَتْلُوا عَلَيْكُمْ) فيه نعم عليكم عظيمة ؛ لأنه معجزة باقية تتأدّى به العبادات ، ومستفاد منه مجامع الأخلاق الحميدة.
واعلم أنه إن كان المراد بالآيات القرآن ، فالتلاوة فيه ظاهرة.
وإن كان المراد بالآيات المعجزات ، فمعنى التلاوة لها تتابعها ؛ لأنّ الأصل في التلاوة التتابع ، يقال : جاء القوم يتلو بعضهم بعضا أي بعضهم إثر بعض](١) ، وهنا قدم التزكية على التعليم ، وفي دعاء إبراهيم بالعكس.
والفرق أن المراد بالتزكية هنا التطهير من الكفر ، وكذلك فسروه.
وهناك المراد بها الشهادة بأنهم خيار أزكياء ، وذلك متأخر عن تعلم الشرائع والعمل بها. [وقال الحسن : «يزكّيكم» يعلّمكم ما إذا تمسّكتم به صرتم أزكياء.
وقال أبو مسلم : «التزكية» عبارة عن التّنمية ، كأنه قال : يكثركم ؛ كقوله تعالى : (إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ) [الأعراف : ٨٦] ، وذلك بأن يجمعهم على الحق ، فيتواصلوا ويكثروا](٢).
وقوله : (يُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) بعد قوله : (وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) من باب ذكر العام بعد الخاص ، وهو قليل بخلاف عكسه. [وقوله عزوجل : (وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ) بعد قوله : (يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا) ليس بتكرار ؛ لأن تلاوة القرآن عليهم غير تعليمه إياهم.
وأما الحكمة فهي العلم بسائر الشرائع التي لم يشتمل القرآن على تفصيلها.
وقال الشافعي رضي الله عنه : الحكمة هي سنّة الرسول صلوات الله وسلامه عليه.
وفي قوله تعالى : (وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) تنبيه على أنه ـ تعالى ـ أرسله على حين فترة من الرسل ، وجهالة الأمم](٣).
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) سقط في ب.
(٣) سقط في ب.