قال بعضهم : الخطاب لجميع أمّة محمد صلىاللهعليهوسلم.
وقال عطاء والرّبيع بن أنس : المراد بهذه المخاطبة أصحاب النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بعد الهجرة وهذا الابتلاء لإظهار المطيع من المعاصي لا ليعلم شيئا ، ولم يكن عالما به ، وقد يطلق الابتلاء على الأمانة ؛ كهذه الآية الكريمة ، والمعنى : وليصيبنكم الله بشيء من الخوف ، وقد تقدّم الكلام فيه ، في قوله تعالى : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ) [البقرة : ١٢٤].
وفي حكمة هذا الابتلاء وجوه :
أحدها : ليوطّنوا أنفسهم على الصبر عليها إذا وردت ، فيكون ذلك أبعد لهم من الجزع ، وأسهل عليهم بعد الورود.
وثانيها : أنهم إذا علموا أنه ستصل إليهم تلك المحن ، اشتدّ خوفهم (١) فيصير ذلك الخوف تعجيلا للابتلاء ، فيستحقّون به مزيد الثّواب.
وثالثها : أن الكفار إذا شاهدوا محمدا وأصحابه مقيمين على دينهم مستقرّين عليه ، مع ما كانوا عليه من نهاية الضر (٢) والمحنة والجوع ، يعلمون أن القوم إنّما اختاروا هذا الدّين لقطعهم بصحّته ، فيدعوهم ذلك إلى مزيد التأمّل في دلائله.
ومن المعلوم الظّاهر أنّ التّبع إذا عرفوا أن المتبوع في أعظم المحن بسبب المذهب الذي ينصره ، ثم رأوه مع ذلك مصرّا على ذلك المذهب كان ذلك أدعى لهم إلى اتّباعه مما إذا رأوه مرفّه الحال ، لا كلفة عليه في ذلك المذهب.
ورابعها : أنه تعالى أخبر بوقوع ذلك الابتلاء قبل وقوعه ، فوجد مخبر ذلك الخبر على ما أخبر عنه ، فكان ذلك إخبارا عن الغيب ، فكان معجزا.
وخامسها : أنّ من المنافقين من أظهر متابعة الرسول صلوات الله وسلامه عليه طمعا منه في المال ، وسعة الرزق ، فإذا اختبره تعالى بنزول هذه المحن فعند ذلك يتميز المنافق من الموافق ؛ لأنّ المنافق إذا سمع ذلك ، نفر منه ، وترك دينه ، فكان في هذا الاختبار هذه الفائدة.
وسادسها : أن إخلاص الإنسان حالة [البلاء ، ورجوعه إلى باب الله تعالى](٣) أكثر من إخلاصه حال إقبال الدنيا عليه.
قوله تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) هذا جواب قسم محذوف ، ومتى كان جوابه مضارعا مثبتا مستقبلا ، وجب تلقيه باللام وإحدى النونين خلافا للكوفيين حيث يعاقبون بينهما ، ولا
__________________
ـ والحديث ذكره المتقي الهندي في «كنز العمال» (٦١).
وذكره الألباني في «الضعيفة» (٢ / ٨٩) رقم ٦٢٥.
(١) في ب : فوقهم.
(٢) في أ : الصبر.
(٣) في أ : الابتلاء.