أحدهما : كونه يدّعي إدغام الثّاني في الأوّل ، وذلك لا نظير له ، إنّما يدغم الأوّل في الثّاني.
والثاني : قوله : كما جاء في «مدّكر» ؛ لأنّه كان ينبغي على قوله : أن يقال : «مذّكر» بالذّال المعجمة ، لا الدّال المهملة [وهذه لغة رديئة ، إنّما اللّغة الجيّدة بالمهملة ؛ لأنّا قلبنا تاء الافتعال بعد الذّال المعجمة دالا مهملة](١) ، فاجتمع متقاربان ، فقلبنا أوّلهما لجنس الثّاني ، وأدغمنا ، وسيأتي تحقيق ذلك.
ومصدر «اطّاف» على «الاطّياف» بوزن «الافتعال» ، والأصل «اطّواف» فكسر ما قبل الواو ، فقلبت ياء ، وإنّما عادت الواو إلى أصلها ؛ لزوال موجب قلبها ألفا ؛ ويوضّح ذلك قولهم : اعتاد اعتيادا والأصل : «اعتواد» ففعل به ما ذكرت [لك].
قوله تعالى : (وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً) قرأ حمزة (٢) والكسائيّ : «يطّوّع» هنا وفي الآية الّتي بعدها بالياء وجزم العين فعلا مضارعا.
قال ابن الخطيب (٣) ـ رحمهالله ـ : وهذا أحسن أيضا ؛ لأنّ المعنى على الاستقبال والشرط ، والجزاء ، والأحسن فيهما الاستقبال ، وإن كان يجوز أن يقال : «من أتاني ، أكرمته».
وقرأها الباقون (٤) بالتاء فعلا ماضيا ، فأما قراءة حمزة ، فتكون «من» شرطيّة ، فتعمل الجزم ، وافق يعقوب في الأولى ، وأصل «يطّوّع» «يتطوّع» فأدغم على ما تقدّم في «تطوّف» ، و «من» في محل رفع بالابتداء ، والخبر فعل الشّرط ؛ على ما هو الصحيح ؛ كما تقدّم تحقيقه.
وقوله : «فإنّ الله» جملة في محلّ جزم ، لأنّها جواب الشّرط ، ولا بدّ من عائد مقدّر ، أي : فإنّ الله شاكر له.
فصل
قال أبو البقاء (٥) : وإذا جعلت «من» شرطا ، لم يكن في الكلام حذف ضمير ؛ لأنّ ضمير «من» في «تطوّع» وهذا يخالف ما تقدّم عن النّحاة ؛ من أنّه إذا كان أداة الشّرط اسما ، لزم أن يكون في الجواب ضمير يعود عليه ، وتقدّم تحقيقه.
وأما قراءة الجمهور ، فتحتمل وجهين :
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) ينظر الدر المصون : ١ / ٤١٦ ، البحر المحيط : ١ / ٦٣٢.
(٣) ينظر تفسير الرازي : ٤ / ١٤٦.
(٤) ينظر البحر المحيط : ١ / ٦٣٢ ، الدر المصون : ١ / ٤١٦ ، والمحرر الوجيز : ١ / ٢٣٠.
(٥) ينظر الإملاء لأبي البقاء : ١ / ٧١.