ولم يجب هنا تقديم الخبر إن كان المبتدأ نكرة ، والخبر ظرفا ، قال الزمخشري (١) : «لأنّه تخصّص بالصفة فقارب (٢) المعرفة».
قال أبو حيّان (٣) : «وهذا الذي ذكر من كونه مسوّغا للابتداء بالنكرة لكونها وصفت لا تتعيّن ، لجواز أن يكون المسوّغ التفصيل» ثمّ أنشد البيت :
٢١٠٥ ـ إذا ما بكى .......... |
|
.......... (٤) |
قال شهاب الدين (٥) : والزمخشري لم يقل : إنّه تعيّن ذلك حتّى يلزمه به ، وإنّما ذكر أشهر المسوّغات فإنّ العطف والتفصيل قلّ من يذكرهما في المسوّغات.
قال الزمخشري (٦) : «فإن قلت : الكلام السّائر أن يقال : «عندي ثوب جيّد ، ولي عبد كيّس» فما أوجب التقديم؟.
قلت : أوجبه أنّ المعنى : وأيّ أجل مسمى عنده ، تعظيما لشأن الساعة ، فلمّا جرى فيها هذا المعنى أوجب التقديم».
قال أبو حيان (٧) : وهذا لا يجوز ؛ لأنه إذا كان التقدير : وأيّ أجل مسمى عنده كانت «أي» صفة لموصوف محذوف تقديره : وأجل أي أجل مسمى عنده ولا يجوز حذف الصفة إذا كانت «أيّا» ولا حذف موصوفها وإبقاؤها.
لو قلت : «مررت بأيّ رجل» تريد برجل أيّ رجل لم يجز.
قال شهاب الدين (٨) : ولم أدر كيف يؤاخذ من فسّر معنى بلفظ لم يدّع أن ذلك اللّفظ هو أصل كلام المفسر ، بل قال : معناه كيت وكيت؟ فكيف يلزمه أن يكون ذلك الكلام الذي فسّر به هو أصل ذلك المفسّر؟ على أنّه قد ورد حذف موصوف «أيّ» وإبقاؤها كقوله : [المتقارب]
٢١٠٦ ـ إذا حارب الحجّاج أيّ منافق |
|
علاه بسيف كلّما هزّ يقطع (٩) |
قوله : (ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ) قد تقدّم الكلام على «ثمّ» هذه. و «تمترون» تفتعون من المرية ، وتقدّم معناها في «البقرة» عند قوله : (مِنَ الْمُمْتَرِينَ) [البقرة : ١٤٧].
وجعل أبو حيّان (١٠) هذا من باب الالتفات ، أعني قوله : (خَلَقَكُمْ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ) ، يعني أنّ قوله : (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) غائب ، فالتفت عنه إلى قوله : «خلقكم ثمّ أنتم» ، ثمّ كأنّه اعترض على نفسه بأنّ خلقكم وقضاء الأجل لا يختصّ به الكفّار ، بل المؤمنون مثلهم في ذلك.
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٤ ، والبحر المحيط ٤ / ٧٦.
(٢) في ب : فقابل.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٧٦.
(٤) تقدم.
(٥) ينظر : الدر المصون ٣ / ٤.
(٦) ينظر : الكشاف ٢ / ٥ ، والبحر المحيط ٤ / ٧٦.
(٧) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٧٧.
(٨) ينظر : الدر المصون ٢ / ٥.
(٩) تقدم.
(١٠) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٧٧ ، والدر ٢ / ٥.