قوله : «وتركتم» فيها وجهان :
أحدهما : إنها في محلّ نصب على الحال من فاعل «جئتمونا» ، و «قد» مضمرة على رأي الكوفيين أي : وقد تركتم.
والثاني : أنها لا محلّ لها لاستئنافها ، و «ما» مفعولة ب «ترك» ، وهي موصولة اسمية ، ويضعف جعلها نكرة موصوفة ، والعائد محذوف ، أي : ما خولناكموه ، و «ترك» متعدية لواحد ؛ لأنها بمعنى التخلية ولو ضمنت معنى «صيّر» تعدّت لاثنين ، و «خوّل» يتعدّى لاثنين ؛ لأنه بمعنى «أعطى وملك» ، والخول ما أعطاه الله من النّعم.
قال أبو النجم : [الرجز]
٢٢٤٠ ـ كوم الذّرى من خول المخوّل (١)
فمعنى : خولته كمن أملكته الخول فيه كقولهم : خوّلته ، أي : ملكته المال.
وقال الرّاغب (٢) : التّخويل في الأصل إعطاء الخول.
وقيل : إعطاء ما يصير له خولا وقيل : إعطاء ما يحتاج أن يتعهّده من قولهم : «فلان خال مال وخايل مال أي حسن القيام عليه».
وقوله : (وَراءَ ظُهُورِكُمْ) متعلّق ب «تركتم» ويجوز أن يضمن «ترك» هنا معنى «صيّر» ، فيتعدى لاثنين : أولهما : الموصول ، والثاني هذا الظرف متعلّق بمحذوف ، أي : وصيّرتم بالتّرك الذي خوّلناكموه كائنا وراء ظهوركم.
قوله تعالى : (وَما نَرى) الظّاهر أنها المتعدّية لواحد ، فهي بصرية ، فعلى هذا يكون «معكم» متعلّق ب «نرى» ، ويجوز أن يكون بمعنى «علم» ، فيتعدى لاثنين ، ثانيهما هو الظرف ، فيتعلّق بمحذوف ، أي : ما نراهم كائنين معكم ، أي : مصاحبتكم.
إلّا أن أبا البقاء (٣) استضعف هذا الوجه ، وهو كما قال ؛ إذ يصير المعنى : وما يعلم شفعاءكم معكم ، وليس المعنى عليه قطعا.
وقال أبو البقاء (٤) ـ رحمهالله ـ : «ولا يجوز أن يكون أي معكم حالا من «الشفعاء» ؛ إذ المعنى يصير أن شفعاءهم معهم ولا تراهم». وفيما قاله نظر لا يخفى ، وذلك أن النفي إذا دخل على ذات بقيد ، ففيه وجهان :
__________________
(١) عجز بيت وصدره :
أعطى فلم يبخل ولم يبخّل
من أرجوزة طويلة مع شرحها في الطرائف الأدبية ٥٧ ـ ٧١ ، اللسان (خول) ، مجاز القرآن ٢ / ١٨٨ ، وشواهد المغني ص ١٥٤ ، والمعاهد ١ / ٧ ، الخزانة ٢ / ٣٩٠ ، الدر المصون ٣ / ١٢٦ ، والقرطبي ١٥ / ٢٣٧.
(٢) ينظر : المفردات ١٦٣.
(٣) ينظر : الإملاء ١ / ٢٥٤.
(٤) ينظر : المصدر السابق.