واصلا إليه فيها دائما أبدا وجعل قبلها دارا فيها الآلام والأسقام وفيها الموت ليعلم المكلف مقدار ما يكون فيه في الآخرة إذا نسبه (١) إلى ما قبله (٢).
قوله : (وَالَّذِينَ سَعَوْا) يجوز فيه وجهان :
أظهرهما : أنه مبتدأ و «أولئك» (و) (٣) ما بعده خبره.
والثاني : أنه عطف على الذي قبله أي ويجزي الذين سعوا ويكون «أولئك» الذي بعده مستأنفا و «أولئك» الذي قبله وما في خبره معترضا بين المتعاطفين (٤).
قوله (٥) : (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ) أي في إبطال أدلّتنا معاجزين يحسبون أنهم يفوتوننا(٦) وقد تقدم في الحج قراءتا معاجزين (٧). واعلم أنه تعالى لما بين حال المؤمنين يوم القيامة بين حال الكافرين والمراد بهم الذين كذبوا بآياتنا وقوله : «معاجزين» أي سعوا في إبطالها لأن المكذّب آت بإخفاء آيات بينات فيحتاج إلى السعي العظيم والجدّ البليغ ليروّج كذبه لعله يعجز المتمسك به.
قوله : (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ) قرأ ابن كثير وحفص هنا وفي الجاثية (٨) أليم بالرفع (٩) والباقون بالخفض. فالرفع علىّ أنه نعت «لعذاب» والخفض على أنه نعت «لرجز» ، إلا أن مكّيّا ضعف قراءة الرفع واستبعدها قال : لأنّ الرّجز هو العذاب فيصير التقدير عذاب أليم من عذاب وهذا المعنى غير ممكن (١٠). قال : والاختيار خفض «أليم» لأنه أصحّ في التقدير والمعنى إذ تقديره لهم عذاب من عذاب أليم أي هذا الصّنف من أصناف العذاب ، لأن العذاب بعضه آلم من بعض (١١). وأجيب : بأن الرجز مطلق العذاب فكأنه قيل : لهم هذا الصنف من العذاب من جنس العذاب (١٢) ، وكأن أبا البقاء لحظ هذا حيث قال : وبالرفع صفة (١٣) لعذاب ، والرّجز مطلق العذاب.
__________________
(١) في (ب) النسبة.
(٢) الفخر الرازي ٢٥ / ٢٤١.
(٣) سقط من (ب).
(٤) انظر : البحر المحيط ٧ / ٢٥٩ والدر المصون ٤ / ٤١٠.
(٥) في (ب) فصل بدل من قوله.
(٦) انظر : تفسير البغوي والخازن ٥ / ٢٨٢.
(٧) يقصد قوله عزت حكمته «وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ» الآية ٥١ وقرأ ابن كثير وأبو عمرو : معجزين بغير ألف مشددة والباقون بألف. النشر ٢ / ٣٤٩ والحجة لابن خالويه ٢٩٠ والسبعة ٥٢٦ و ٤٣٩ والإتحاف ٣١٦ وإبراز المعاني ٦٠٦ ومعاني الفراء ٢ / ٣٥١ و ٣٥٢.
(٨) وهو قوله :«هذا هُدىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ».
(٩) الإتحاف ٣٥٧ والسبعة ٥٢٦ والمعاني للفراء ٢ / ٣٥١ و ٣٥٢ والنشر ٢ / ٣٤٩ ، وانظر أيضا البحر المحيط ٧ / ٢٥٩ وزاد المسير ٦ / ٤٣٣.
(١٠) في الكشف متمكن.
(١١) وفيه الم من هذا الصنف وانظر : الكشف ٢ / ٢٠٢.
(١٢) قاله شهاب الدين السمين ٤ / ٤١٠.
(١٣) انظر : التبيان لأبي البقاء ١٠٦٣.