فصل
قال قتادة : الرجز أسوأ (١) العذاب فيكون «من» لبيان الجنس كقولك : خاتم من فضّة. قال ابن الخطيب : قال هناك (٢) : لهم رزق كريم ولم يقدر بمن التبعيضية فلم يقل : لهم نصيب من رزق ، ولا رزق من جنس كريم ، وقال ههنا : (لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ) بلفظة صالحة للتبعيض ، وذلك إشارة إلى سعة الرحمة وقلة الغضب وقال هناك : (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) ثم قال : (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) [الأنفال : ٤] وههنا لم يقل إلا : (لَهُمْ عَذابٌ) فزادهم هناك الرزق الكريم ، وههنا لم يزدهم على العذاب وفيما قاله نظر ، لقوله تعالى في موضع آخر : (زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ) [النحل : ٨٨].
قوله : (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) فيه وجهان :
أحدهما : أنه عطف على «ليجزي» (٣). قال الزمخشري : أي وليعلم الذين أوتوا العلم عند مجيء الساعة (٤). وإنما قيده بقوله عند مجيء الساعة لأنه علق : «ليجزي» بقوله : (لَتَأْتِيَنَّكُمْ) فبنى هذا عليه وهو من أحسن ترتيب (٥).
والثاني : أنه مستأنف أخبر عنهم بذلك (٦) و (الَّذِي أُنْزِلَ) هو المفعول الأول وهو فصل ، و «الحقّ» مفعول ثان ، لأن الرؤية علميّة (٧) ، وقرأ ابن أبي عبلة (٨) الحقّ بالرفع على أنه خبر «هو» والجملة في موضع المفعول الثاني وهي لغة تميم يجعلون ما هو فصل مبتدأ وخبر (٩) و (مِنْ رَبِّكَ) حال على القراءتين (١٠).
__________________
(١) معالم التنزيل والخازن ٥ / ٢٨٢.
(٢) تفسير الرازي ٢٥ / ٢٤٢.
(٣) الدر المصون ٤ / ٤١٠ والتبيان ١٠٦٣ وبيان ابن الأنباري ٢ / ٢٧٤.
(٤) قال : «أي وليعلم أولو العلم عند مجيء الساعة أنه الحق علما لا يزاد عليه في الإيقان ويحتجوا به على الذين كذبوا وتولوا». الكشاف ٣ / ٢٨٠.
(٥) الدر المصون ٤ / ٤١٠.
(٦) المراجع السابقة.
(٧) التبيان ١٠٦٣ والدر المصون ٤ / ٤١١ ومعاني الفراء ٢ / ٣٥٢ الذي أسماه ـ أي الضمير ـ بالعماد.
(٨) لم يحددها أبو البقاء ١٠٦٣ وقال ابن خالويه في المختصر : «مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ» بالرفع حكاه أبو معاذ. ابن خالويه ١٢١.
(٩) قال في المغني ٤٩٦ : «زعم البصريون أنه لا محل له ثم قال أكثرهم : إنه حرف فلا إشكال. وقال الخليل : اسم وقال الكوفيون : له محل. ثم قال الكسائي : محله بحسب ما بعده. وقال الفراء بحسب ما قبله فمحله بين المبتدأ والخبر رفع وبين معمولي «ظن» نصب ، وبين معمولي كان رفع عند الفراء ونصب عند الكسائي وبين معمولي إن بالعكس. وقال الفراء في معانيه : ولو رفعت الحق على أن تجعل وهو اسما كان صوابا» المعاني ٢ / ٣٥٢. وقال في البحر ٧ / ٢٥٩ : و «هو» فصل وهو مبتدأ والحق خبره والجملة في موضع المفعول الثاني ليرى وهي لغة تميم يجعلون ما هو فصل عند غيرهم مبتدأ. قاله أبو عمر الجرمي.
(١٠) الدر المصون ٤ / ٤١١.