من حيث إنّ الأصنام في الحقيقة لم تكن شركاء لله وإنما هم الذين جعلوها شركاء فقال شركاءكم أي الشركاء بجعلكم. ويحتمل أن يقال : معنى شركاءكم أي (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) [الأنبياء : ٩٨]. ويحتمل أن يكون معنى «أرأيتم» أي أعلمتم هذه الأصنام التي تدعونها هل لها قدرة أم لا؟ فإن كنتم تعلمونها عاجزة فكيف تعبدونها؟ وإن كنتم تعلمون أن لها قدرة فأروني قدرتها في أي شيء أهي في الأرض كما قال بعضهم : إن الله إله السماء وهؤلاء آلهة الأرض (١) وهم الذين قالوا : أمور الأرض من الكواكب والأصنام صورها أم هي في السموات كما قال بعضهم : إن السموات خلقت باستعانة الملائكة شركاء في خلق السموات وهذه الأصنام صورها أم قدرتها في الشفاعة لكم كما قال بعضهم : «إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى» فهل معهم كتاب من الله؟ قال مقاتل : هل أعطينا كفار مكة كتابا فهم على (٢) بينة منه؟
قوله : (آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ) الأحسن في هذا الضمير أن يعود على «الشّركاء» ليتناسق (٣) الضمائر. وقيل : يعود على المشركين كقول مقاتل فيكون التفاتا من خطاب إلى غيبة (٤). وقرأ أبو عمرو وحمزة وابن كثير وحفص بيّنة بالإفراد والباقون بيّنات (٥) بالجمع أي دلائل واضحة منه ممّا (٦) في ذلك الكتاب من ضروب البيان.
قوله : (بَلْ إِنْ يَعِدُ) «إن» نافية والمعنى ما يعد الظالمون (بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً) غرهم الشيطان وزين لهم عبادة الأصنام. والغرور ما يغر الإنسان مما لا أصل له ، قال مقاتل : يعني (٧) ما يعد (٨) الشيطان كفار بني آدم من شفاعة الآلهة في الآخرة غرور باطل (٩).
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا) لما بين أنه لا خلق للأصنام ولا قدرة لها بين أن الله قادر بقوله : إن الله يمسك السموات والأرض. ويحتمل أن يقال : لما بين شركهم قال : مقتضى شركهم زوال السموات والأرض كقوله تعالى : (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً) [مريم : ٩٠ ، ٩١] ويؤيد هذا قوله تعالى في آخر الآية «ان الله كان حليما غفورا» حليما ما ترك تعذيبهم إلا حلما منه وإلا كانوا يستحقون إسقاط السّماء وانطباق الأرض عليهم. وإنما أخّر إزالة
__________________
(١) وانظر كل هذه المعاني في الفخر الرازي ٢٦ / ٣٢.
(٢) المرجع السابق.
(٣) البحر ٧ / ٣١٨ والسمين ٤ / ٤٨٧.
(٤) المرجع السابق.
(٥) زاد المسير ٦ / ٤٩٦ والبحر المحيط ٧ / ٣١٨ والسبعة ٥٣٥ والإتحاف ٣٦٢ وإبراز المعاني ٦٥٧ والكشاف ٣ / ٣١٢ بدون نسبة والقرطبي ١٤ / ٣٥٦.
(٦) في «ب» ما.
(٧) في (ب) معنى.
(٨) في (ب) ما يعده الشيطان.
(٩) في (ب) غرور باطل.