السموات لقيام الساعة حكما. ويحتمل أن يقال : إن ذلك من باب التسليم وإثبات المطلوب كأنه تعالى قال : شركاؤكم ما خلقوا من الأرض شيئا ولا من السماء جزءا (١) لا قدرة لهم على الشفاعة فلا عبادة لهم وهب أنهم فعلوا شيئا من الأشياء فهل يقدرون على إمساك السموات والأرض ولا يمكنهم القول بأنهم يقدرون لأنهم ما كانوا يقولون ذلك كما قال تعالى عنهم : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) [لقمان : ٢٥] ويؤيد هذا قوله : (وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ) فإذن تبين أن لا معبود إلّا الله من حيث إن غيره لم يخلق شيئا من الأشياء وإن قال كافر بأن غيره خلق فما خلق مثل ما خلق فلا شريك (٢).
قوله : (أَنْ تَزُولا) يجوز أن يكون مفعولا من أجله أي كراهة أن تزولا (٣). وقيل : لئلا تزولا(٤) ، ويجوز أن يكون مفعولا ثانيا على إسقاط الخافض أي يمنعهما من أن تزولا. كذا قدره أبو إسحاق (٥). ويجوز أن يكون بدل اشتمال أي يمنع (٦) زوالهما (٧).
قوله : (إِنْ أَمْسَكَهُما) جواب القسم الموطأ له بلام القسم (٨) وجواب الشرط محذوف (٩) يدل عليه جواب القسم ولذلك كان فعل الشرط ماضيا. وقول الزمخشري : إنه سدّ مسد الجوابين (١٠) يعني أنه دال على جواب الشرط.
قال أبو حيان ؛ وإن أخذ كلامه على ظاهره لم يصح لأنه لو سد مسدهما لكان له موضع من الإعراب من حيث إنه سد مسدّ جواب الشرط ولا موضع له من حيث إنه سد مسد جواب القسم ، والشيء الواحد لا يكون معمولا غير معمول (١١). و (مِنْ أَحَدٍ) من مزيدة لتأكيد الاستغراق و (مِنْ بَعْدِهِ) من لابتداء الغاية (١٢) والمعنى أحد سواه (١٣)(إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً) ، «حليما» حيث لم يعجل في إهلاكهم بعد إصرارهم على إشراكهم «غفورا» لمن تاب ويرحمه وإن استحق (١٤) العقاب.
__________________
(١) في «ب» جره.
(٢) انظر : تفسير الرازي ٢٦ / ٣٣.
(٣) التبيان ١٠٧٦.
(٤) البحر نقلا عن قراءة ابن مسعود ٧ / ٣١٨.
(٥) قاله في معاني القرآن وإعرابه له ٤ / ٢٧٣.
(٦) في ب «منع».
(٧) نقله في البحر ٧ / ٣١٨. وذكر النحاس في «الإعراب» الوجه الأول والثالث انظره ٤ / ٣٧٦.
(٨) وهو : «وَلَئِنْ زالَتا».
(٩) وهو : غير إن أمسكهما من أحد وإنما إن زالتا «فإن هنا نفي».
(١٠) الكشاف ٣ / ٣١٢.
(١١) قاله في البحر ٧ / ٣١٨.
(١٢) نقله الزمخشريّ وأبو حيان في المرجعين السابقين.
(١٣) قاله الإمام البغوي في معالم التنزيل ٥ / ٣٠٦. وقال الفراء في المعاني : «وَلَئِنْ زالَتا» بمنزلة قوله : «ولو زالتا» (إن أمسكهما) «إن» بمعنى ما وهو بمنزلة قوله : «وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ» المعاني ٢ / ٣٧٠.
(١٤) نقله الإمام الفخر الرازي ٢٦ / ٣٣.