قال الفارسيّ : وإذا أمالوا «ياء» وهي حرف نداء فلأن يميلوا «يا» من «يس» أجدر (١). وقرأ عيسى وابن أبي إسحاق بفتح النون (٢) إمّا على البناء على الفتح تخفيفا (٣) ك «أين وكيف» وإما على أنه مفعول ب «اتل» (٤) وإما على أنه مجرور بحرف القسم (٥) ، وهو على الوجهين غير منصرف للعلمية والتأنيث (٦) ويجوز أن يكون منصوبا على إسقاط حرف القسم (٧) كقوله :
٤١٦٧ ـ .......... |
|
... أمانة الله الثّريد(٨) |
وقرأ الكلبي (٩) بضم النون ، فقيل على أنها خبر مبتدأ مضمر ، أي هذه يس ومنعت من الصرف ؛ لما تقدم.
وقيل : بل هي حركة بناء ك «حيث» (١٠) فيجوز أن (يكون) خبرا كما تقدم وأن يكون مقسما بها نحو : «عهد الله لأفعلن».
وقيل : لأنها منادى فبنيت على الضم ، ولهذا فسّرها الكلبي القارىء لها ب «يا إنسان». قال : وهي لغة طيّىء (١١). قال الزمخشري : إن صح معناه فوجهه أن يكون أصله يا أنيسين فكثر النداء به على ألسنتهم حتى اقتصروا على شطره كما قالوا في القسم : «م الله» في أيمن الله (١٢).
قال أبو حيان : والذي نقل عن العرب في تصغير إنسان أنيسان بياء بعدها ألف فدل أن أصله أنسيان ؛ لأن التصغير يرد الأشياء إلى أصولها ، ولا نعلم أنهم قالوا في تصغيره : أنيسين. وعلى تقدير أنه يصغر كذلك فلا يجوز ذلك إلا أن يبنى على الضم (١٣) ، لأنه
__________________
(١) حجة القراءات السبع له ٦ / ١٩٣.
(٢) المحتسب ٢ / ٢٠٣ ونسبها ابن خالويه إلى عيسى فقط. المختصر ١٢٤ وانظر أيضا الكشاف ٣ / ٣١٣.
(٣) البيان ٢ / ٢٩٠ والمحتسب ٢ / ٢٠٣ والكشاف ٣ / ٣١٣ والتبيان ١٠٧٨ ومشكل إعراب القرآن ٢ / ٢٢٠.
(٤) الكشاف والمشكل السابقين. والبحر المحيط ٧ / ٣٢٣. وهو مذهب سيبويه في ٣ / ٢٥٨ على أنه اسم السورة وإليه ذهب الزجاج في أحد قوليه المعاني له ٤ / ٢٧٧.
(٥) البحر المحيط ٧ / ٣٢٣.
(٦) مشكل إعراب القرآن ٢ / ٢٢٠.
(٧) معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ٢٧٧.
(٨) بعض بيت من الطويل مجهول قائله وهو بتمامه :
إذا ما الخبز تأدمه بلحم |
|
فذاك أمانة الله الثّريد |
وتأدمه : تخلطه. والثريد : طعام. والشاهد «أمانة» نصبها على إسقاط حرف الجر والقسم. والأصل أحلف وأقسم بأمانة. انظر الكتاب ٣ / ٦١ و ٤٩٨ وابن يعيش ٩ / ٩٢ و ١٠٢ و ١٠٤ والدر المصون ٤ / ٤٩٢.
(٩) المحتسب ٢ / ٢٠٣ والبحر ٧ / ٣٢٣ وهي شاذة.
(١٠) قال بذلك صاحب الكشاف ٣ / ٣١٣.
(١١) المحتسب ٢ / ٢٠٣.
(١٢) الكشاف ٣ / ٣١٣.
(١٣) في البحر : ولا يبقى موقوفا لأنّه ...