يصلي ومعه حجر ليدمغه به فلما رفعه (١) انثنت يده إلى عنقه ، ولزق الحجر بيده ، فلما رجع إلى أصحابه وأخبرهم بما رأى سقط الحجر ، فقال رجل من بني مخزوم أنا أقتله بهذا الحجر ، فأتاه وهو يصلّي ليرميه بالحجر فأعمى الله بصره فجعل يسمع صوته ولا يراه فرجع إلى أصحابه فلم يرهم حتى نادوه فقالوا له : ماذا صنعت؟ فقال : ما رأيته ، ولقد سمعت كلامه ، وحال بيني وبينه كهيئة الفحل يخطر بذنبه لو دنوت منه لأكلني ، فأنزل الله تعالى : (إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً)(٢).
ووجه المناسبة لما تقدم أنه لما قال : (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ) وتقدم أن المراد به البرهان قال بعد ذلك : بل عاينوا وأبصروا ما يقرب من الضّرورة حيث التزقت يده بعنقه ومنع من إرسال الحجر ، وهو مضطر إلى الإيمان ولم يؤمن على أنه لا يؤمن أصلا (٣).
وقال الفراء : معناه حبسناهم عن الإنفاق في سبيل الله (٤) ، كقوله تعالى : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ) [الإسراء : ٢٩] معناه ولا تمسكها عن النفقة.
الرابع : قال ابن الخطيب وهو الأقوى وأنشد مناسبة لما تقدم : إنّ ذلك كناية عن منع الله إياهم عن الاهتداء وأما مناسبة قول الفراء لما تقدم أن قوله تعالى : (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) يدخل فيه أنهم لا يصلون كقوله تعالى : (لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) [البقرة : ١٤٣] أي صلاتكم عند بعض المفسرين ، والزكاة مناسبة للصلاة فكأنه قال : لا يصلّون ولا يزكون (٥).
قوله : (فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ) في هذا الضمير وجهان :
أشهرهما : أنه عائد على الأغلال (٦) ، لأنها هي المحدّث عنها ، ومعنى هذا الترتيب بالفاء أن الغلّ لغلظه وعرضه يصل إلى الذقن ، لأنه يلبس (٧) العنق جميعه. قال الزمخشري : والمعنى إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا ثقالا غلاظا بحيث تبلغ إلى الأذقان فلم يتمكّن المغلول معها من أن يطأطىء رأسه (٨).
الثاني : أن الضمير يعود على «الأيدي» ، لأن الغلّ لا يكون إلّا في العنق ، واليدين ، ولذلك سمي جامعة ، ودلّ على الأيدي وإن لم تذكر للملازمة المفهومة من هذه الآلة
__________________
(١) في «ب» رضحه.
(٢) انظر : تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن ١٥ / ٧ والرازي ٢٦ / ٤٤ ومعاني الفراء ٢ / ٢٧٣.
(٣) الرازي ٢٦ / ٤٤.
(٤) معاني الفراء ٢ / ٢٧٣.
(٥) انظر : تفسير الرازي ٢٦ / ٤٤.
(٦) وبه قال الزمخشري في الكشاف ٣ / ٣١٥ ونقله أبو حيان في البحر ٧ / ٣٢٤ والسمين في الدر ٤ / ٤٩٥ والرازي في تفسيره ٢٦ / ٤٤.
(٧) الدر المصون ٤ / ٤٩٥.
(٨) الكشاف ٣ / ٣١٥.