أعني الغلّ ، وإليه ذهب الطّبريّ (١). إلا أن الزمخشري قال : جعل الإقماح نتيجة قوله : (فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ) ولو كان للأيدي لم يكن معنى التسبب في الإقماح ظاهرا ، على أن هذا الإضمار فيه ضرب من التعسف وترك للظاهر (٢).
وفي هذا الكلام قولان :
أحدهما : أن جعل الأغلال حقيقة.
والثاني : أنه استعارة ، وعلى كل من القولين جماعة من الصّحابة والتابعين (٣).
وقال الزّمخشريّ : (مثل) (٤) لتصميمهم على الكفر ، وأنّه لا سبيل إلى ارعوائهم بأن جعلهم كالمغلولين المقمحين في أنهم لا يلتفتون إلى الحق ، ولا يعطفون أعناقهم نحوه ، ولا يطأطئون رؤوسهم له ، وكالحاصلين بين سدّين لا يبصرون ما قدامهم ما خلفهم (٥) في أن لا تأمل لهم ولا تبصر وأنهم متعامون عن آيات الله (٦). وقال غيره : هذا استعارة لمنع الله إيّاهم من الإيمان وحولهم (٧) بينهم وبينه. (و) (٨) قال ابن عطية : وهذا أرجح الأقوال ؛ لأنه تعالى لما ذكر أنهم لا يؤمنون لما سبق لهم في الأول عقب ذلك بأن جعل لهم من المنع وإحاطة الشّقاوة ما حالهم معه حال المغلوبين (٩). وتقدم تفسير الأذقان (١٠).
وقال ابن الخطيب : المانع إما أن يكون في النفس فهو الغلّ وإما من الخارج فالسد ، فلم يقع نظرهم على أنفسهم فيرون الآيات التي في أنفسهم كما قال تعالى : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ) [فصلت : ٥٣] وذلك لأن المقمح لا يرى (في)
__________________
(١) جامع البيان ٢٢ / ٩٨. وذهب إليه من المتأخرين الزجاج في المعاني ٤ / ٢٧٩ والفراء كذلك في معانيه ٢ / ٢٧٢ والنحاس في الإعراب ٣ / ٣٨٣ والرازي في تفسيره ٢٦ / ٤٤.
(٢) قال : الذي يدعوه المعنى إلى نفسه إلى الباطن الذي يجفو عنه ترك الحق الأبلج إلى الباطن اللّجلج.
انظر : الكشاف ٣ / ٣١٦.
(٣) قاله بالحقيقة عكرمة نقلا عن البحر ٧ / ٣٢٤ وقال ابن عباس وابن إسحاق استعارة لحالة الكفرة انظر : البحر المرجع السابق والقرطبي ١٥ / ٨.
(٤) سقط من «ب».
(٥) في الكشاف : ولا ما خلفهم.
(٦) وفيه : عن النظر في ... انظر الكشاف ٣ / ٣١٦ و ٣١٧.
(٧) في «ب» وحال بينهم وبينه. وفي البحر والدر المصون : وجوله وانظر : البحر ٧ / ٣٢٤ والدر المصون ٤ / ٤٩٦.
(٨) زيادة من «ب».
(٩) في المرجعين السابقين : المغلولين ، وفي «ب» المعلومين ، وهنا في «أ» المغلوبين.
(١٠) عند الآية ١٠٧ من سورة «الإسراء» : «يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً» فإن «الأذقان» جمع ذقن وهو مجتمع اللّحيين.