نفسه ولا يقع بصره على بدنه ، ولا يقع نظرهم على الآفاق فلا يتبين لهم الآيات التي في الآفاق. وعلى هذا فقوله : (إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ ... وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا) إشارة إلى عدم هدايتهم لآيات الله في (الأنفس (١) و) الآفاق. (فَهُمْ مُقْمَحُونَ) هذه الفاء لأحسن ترتيب ، لأنه لما وصلت الأغلال إلى الأذقان لعرضها لزم عن ذلك ارتفاع رؤوسهم إلى فوق. أو لما جمعت الأيدي إلى الأذقان وصارت تحتها لزم من ذلك رفعها إلى فوق فترتفع رؤوسهم (٢).
والإقماح رفع الرأس إلى فوق كالإقناع ، وهو من قمح البعير رأسه إذا رفعها بعد الشّرب ، إما لبرودة الماء وإما لكراهة طعمه قموحا وقماحا ـ بكسر القاف وضمها ـ وأقمحته أنا إقماحا ، والجمع قماح (٣) ، وأنشد :
٤١٦٨ ـ ونحن على جوانبها قعود |
|
نغضّ الطّرف كالإبل القماح (٤) |
يصف نفسه وجماعة كانوا في سفينة ، فأصابهم الميد (٥).
قال الزجاج قيل : الكانونين شهرا قماح ، لأن الإبل إذا وردن الماء رفعت رؤوسها ، لشدة البرد(٦) وأنشد أبو زيد للهذلي :
٤١٦٩ ـ فتى ما ابن الأغرّ إذا شتونا |
|
وحبّ الزّاد في شهري قماح (٧) |
__________________
(١) ما بين الأقواس زيادة من «أ» الأصل عن «ب».
(٢) انظر : تفسير الإمام الفخر الرازي التفسير الكبير ٢٦ / ٤٥ والدر المصون للسمين الحلبي ٤ / ٤٩٦.
(٣) لسان العرب لابن منظور : «ق م ح» ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة ٢ / ١٥٧ قال : «المقمح والمقنح واحد تفسيره أي يجذب الذّقن حتّى يصير في الصّدر ثم يرفع رأسه. وانظر أيضا غريب القرآن لابن قتيبة ٣٦٤ والقرطبي ١٥ / ٨ ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ٢٧٩ ومعاني الفراء ٢ / ٢٧٣ والبحر المحيط ٧ / ٣٢٥.
(٤) من تمام الوافر لبشر بن أبي خازم يصف ركبان السفينة بالغثيان والدّوار عند اضطراب الموج.
وشاهده : كالإبل القماح فهم رافعون رؤوسهم في اضطراب كما ترفع الإبل رؤوسها إذا أصيبت بداء القماح ، وانظر : ديوانه ٤٨ ، ومجاز القرآن ٢ / ٥٧ وغريب القرآن ٣٦٤ ، والقرطبي ١٥ / ٨ ، واللسان : «ق م ح» ، وديوان المفضليات ٨٤٤.
(٥) وهو ما يصيب من الحيرة عن السكر أو الغثيان أو ركوب البحر. اللسان : «م ي د» ، وفي «ب» البيد.
وهو تحريف.
(٦) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٢٧٩ والشهران الشديدا البرد كانون الأول وكانون الثاني أي ديسمبر ويناير وقماح ككتاب وغراب.
(٧) من الوافر لمالك بن خالد الهذليّ وفتى ما أي أيّ فتى؟ والشاهد : شهري قماح فهما شهران تعاف الإبل الماء فيهما لشدة برودته. انظر : الإنصاف ٦٦ واللسان : «ق م ح» والبحر ٧ / ٣٢٥ وديوان الهذليين ٣ / ٥.