كذا رواه بضم القاف ، وابن السّكّيت (١) بكسرها. وقال اللّيث (٢) : القموح رفع البعير رأسه إذا شرب الماء الكريه ثم يعود. وقال أبو عبيدة إذا رفع رأسه عن الحوض ولم يشرب (٣). والمشهور أنه رفع الرأس إلى السماء كما تقدم تحريره.
وقال الحسن : القامح الطامح يبصره إلى موضع قدمه. وهذا ينبو عنه اللفظ والمعنى. وزاد بعضهم مع رفع الرأس غضّ البصر (٤) مستدلا بالبيت المتقدم :
٤١٧٠ ـ .......... |
|
نغض الطرف كالإبل القماح |
وزاد مجاهد مع ذلك وضع اليد على الفم. وسأل الناس أمير المؤمنين (عليا) (٥) ـ كرم الله وجهه ـ عن هذه الآية فجلع يديه تحت لحيته (٦) ، ورفع رأسه. وهذه الكيفية ترجّح قول الطّبريّ في عود «فهي» على الأيدي (٧).
قوله : (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا) تقدم خلاف القراء في فتح السّين وضمّها والفرق بينهما مستوفى آخر الكهف (٨) والحمد لله.
وأما فائدة السد من بين الأيدي فإنهم في الدنيا سالكون فينبغي أن يسلكوا الطّريقة المستقيمة (مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا) فلا يقدرون على السلوك. وأما فائدة السد من خلفهم فهو أنّ الإنسان له فطريّة والكافر ما أدركها فكأنه تعالى يقول : جعلنا من بين أيديهم سدّا فلا يسلكون طريق الاهتداء الذي هو فطرية وجعلنا من خلفهم سدا فلا يرجعون إلى الهداية والجبلية التي هي فطرية ، وأيضا فإن الإنسان مبدأه من الله ومصيره إليه فعمي الكافر لا يبصر ما بين من المصير إلى الله ، وما خلفه من الدخول في الوجود بخلق الله وأيضا فإنّ السالك إذا لم يكن له بدّ من سلوك طريق ، فإن اشتدّ الطريق الذي قدامه يفوته المقصد ولكنه يرجع ، وإذا اشتد الطريق من خلفه ومن قدامه والموضع الذي هو فيه لا
__________________
(١) يعقوب بن إسحاق أبو يوسف النحوي اللغوي توفي سنة ٢٤٦ انظر : إنباه الرواة ٤ / ٥٠ ـ ٥٧.
(٢) الليث بن نصر بن يسار الخراسانيّ صاحب العربية ، انظر : البغية ٢ / ٢٧٠. وانظر رأيهما في اللسان : «ق م ح» والبحر ٧ / ٣٢٤ و ٣٢٥.
(٣) عبارته : «يجذب الذقن حتى يصير في الصّدر ثم يرفع رأسه» المجاز ٢ / ١٥٧.
(٤) قاله الفراء في معانيه ٢ / ٣٧٣.
(٥) سقط من «أ».
(٦) في «ب» لحييه.
(٧) وانظر : البحر المحيط ٧ / ٣٢٤ ، فقد جمع هذه الأقوال.
(٨) عند قوله : «حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ» من الآية ٩٣ والآية ٩٤ «عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا» وضم الشين في «يس» هنا ابن كثير ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم ، وفتحها عاصم فيما رواها عنه حفص وفتحها أيضا حمزة والكسائي. وهما لغتان. والفرق بينهما (بين المضموم والمفتوح) أن المضموم ما كان من صنع الله ، والمفتوح من البشر. ومن قائل : إن المفتوح المصدر ، والمضموم الشيء المسدود وذهب في يس إلى أن الضم بمعنى سدّة العين. انظر : السبعة ٥٣٩ وحجة ابن خالويه ٢٣١ والكشاف ٢ / ٧٥ و ٧٦.