ربض منها سبطا من الأسباط وكانوا اثني عشر سبطا ، فلما فرغ من بناء المدينة ، ابتدأ في بناء المسجد فوجه الشياطين فرقا فرقا يستخرجون الذهب والفضة والياقوت من معادنها والدرّ الصّافي من البحر وفرقا يقلعون الجواهر من الحجارة من أماكنها وفرقا يأتونه بالمسك والعنبر وسائر الطّيب من أماكنها فأتي من ذلك بشيء لا يحصيه إلا الله عزوجل. ثم أحضر الصّنّاع وأمرهم بنحت تلك الحجارة المرتفعة وتصييرها ألواحا وإصلاح تلك الجواهر وثقّب الياقوت واللآلىء فبنى المسجد بالرّخام الأبيض والأصفر والأخضر وعمّده بأساطين الميها الصّافي وسقّفه بألواح الجواهر الثمينة وفصّص سقوفه وحيطانه باللآلىء واليواقيت وسائر الجواهر وبسط أرضه بألواح الفيروزج فلم يكن يومئذ في الأرض بيت أبهر ولا أنور من ذلك المسجد كان يضيء في الظلمة كالقمر ليلة البدر ، فلما فرغ منه جمع أحبار بني إسرائيل وأعلمهم أنه بناه لله وأن كل شيء فيه خالص لله ، واتخذ ذلك اليوم الذي فرغ منه عيدا ، روى عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قال : «لمّا فرغ سليمان من بناء بيت المقدس سأل ربّه ثلاثا فأعطاه اثنتين وأنا أرجو أن يكون أعطاه الثّالثة سأل حكما يصادف حكمه فأعطاه إياه ، وسأله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه ، وسأله أن لا يأتي هذا البيت أحد يصلّي ركعتين إلّا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه وأنا أرجو أن يكون قد أعطاه ذلك» قالوا : فلم يزل بيت المقدس على ما بناه سليمان حتى غزاه بختنصّر فخرّب المدينة وهدمها ونقض المسجد وأخذ ما كان في سقوفه وحيطانه من الذهب والفضة والدر والياقوت وسائر الجواهر إلى دار مملكته من أرض العراق وبنى الشيطان لسليمان باليمن حصونا كثيرة وعجيبة من الصخر (١).
قوله : (وَتَماثِيلَ) وهي النقوش التي تكون في الأبنية. وقيل : صور من نحاس وصفر وشبه (٢) وزجاج ورخام. قيل : كانوا يصوّرون السّباع والطيور. وقيل : كانوا يتخذون صور الملائكة والأنبياء والصالحين في المساجد ليراها الناس فيزدادوا عبادة ولعلها كانت مباحة في شريعتهم كما أن عيسى كان يتخذ صورا من طين فينفخ فيها فيكون طيرا (٣).
قوله : «وجفان كالجواب». الجفان القصاع (٤) ، وقرأ ابن كثير بإثبات ياء «الجواب»
__________________
(١) ذكر هذه القصة البغوي في معالم التنزيل ٥ / ٢٨٤ وكذلك الخازن ٥ / ٢٨٤.
(٢) الشبه ضرب من النحاس يلقى عليه دواء فيصفر سمي به لأنه إذا فعل به ذلك أشبه الذهب بلونه.
(٣) أورد هذه الأقوال ابن الجوزي في زاد المسير ٦ / ٤٣٩ ، وكذلك القرطبي في الجامع لأحكام القرآن ١٤ / ٢٧٢.
(٤) زاد المسير ٦ / ٤٣٩ وقال في اللسان : «الجفنة معروفة أعظم ما يكون من القصاع والجمع جفان وجفن» وانظر : اللسان ٦٤٤ جفن.