من شاءوا ، ونظيره : (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ) [الزخرف : ٣٢] أي نبوة ربك العزيز في ملكه الكامل القدر الوهاب أي وهب النبوة لمحمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ.
قوله : (أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) لما قال : (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ) فخزائن الله تعالى غير متناهية كما قال : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ) [الحجر : ٢١] ومن جملة تلك الخزائن السموات والأرض ، فلما ذكر الخزائن أولا على العموم أردفها بذكر السموات والأرض وما بينهما يعني أن هذه الأشياء أحد أنواع خزائن الله فإذا كانوا عاجزين عن هذا القسم فبأن يكونوا عاجزين عن كل خزائن الله أولى (١).
قوله : «فليرتقوا» قال أبو البقاء : هذا كلام محمول على المعنى أي إن زعموا ذلك فليرتقوا ، فجعلها جوابا لشرط مقدر (٢).
وكثيرا ما يفعل الزمخشري ذلك ، ومعنى الكلام إن ادّعوا شيئا من ذلك فليصعدوا في الأسباب التي توصلهم إلى السماء فليأتوا منها بالوحي إلى من يختارون.
قال مجاهد : أراد بالأسباب أبواب السماء وطرقها من سماء إلى سماء وكل ما يوصلك إلى شيء من باب أو طريق فهو سببه ، وهذا أمر توبيخ وتعجيز (٣). واستدل حكماء الإسلام بقوله : (فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ) على أن الأجرام الفلكية وما أودع الله فيها من القوى والخواص أسباب لحوادث العالم السفلي لأن الله تعالى سمى الفلكيات أسبابا ، وذلك يدل على ما ذكرنا (٤).
قوله : «جند» يجوز فيه وجهان :
أظهرهما : أنه خبر مبتدأ مضمر أي هم جند (٥) و «ما» فيها وجهان :
أحدهما : أنها مزيدة (٦).
والثاني : أنها صفة لجند (٧) على سبيل التعظيم للهزء بهم أو للتحقير ومثله قول امرىء القيس :
__________________
(١) وانظر : تفسير الرازي ٢٦ / ١٧٩ ، ١٨٠ وتفسير البغوي ٦ / ٤٢.
(٢) قاله في التبيان ١٠٩٧.
(٣) انظر فيما سبق معالم التنزيل للبغوي ولباب التأويل للخازن ٦ / ٤٢.
(٤) قاله الإمام الرازي في التفسير الكبير ٢٦ / ١٨٠.
(٥) قاله أبو حيان في البحر ٧ / ٣٨٦ والدر المصون للسمين ٤ / ٥٩٣ ، والوجه الثاني ـ وهو ما قالت به معظم المراجع ـ أن جند مبتدأ والخبر الظرف أو «مهزوم» وانظر : التبيان ١٠٩٨ والبيان ٢ / ٣١٣ ، ومشكل الإعراب ٢ / ٢٤٨.
(٦) إعراب النحاس ٣ / ٤٥٦ والبيان والتبيان السابقان وكذلك المشكل وكذلك الفراء في المعاني ٢ / ٣٩٩ والزجاج في المعاني ٤ / ٣٢٢ وانظر : الدر المصون ٤ / ٥٩٣ والبحر ٧ / ٣٨٦.
(٧) هذا رأي الزمخشري في الكشاف ٣ / ٣٦٢ وأبي حيان في البحر ٧ / ٣٨٦ رغم أن الزمخشري أقر بزيادتها.