أحبّ امرأة «أوريا» فاحتال في قتل زوجها ثم تزوج بها ثم أرسل الله (تعالى) (١) ملكين في صورة (٢) المتخاصمين في واقعة تشبه واقعته (وعرضا (٣) تلك الواقعة عليه) فحكم داود بحكم لزم منه اعترافه بكونه مذنبا ثم تنبه لذلك فاشتغل بالتوبة. وقال ابن الخطيب : والذي أدين به وأذهب إليه أنّ ذلك باطل لوجوه:
الأول : أن هذه الحكاية لا تناسب داود لأنها لو نسبت إلى أفسق النّاس وأشدهم فجورا لانتفى منها ، والذي نقل هذه القصة لو نسب إلى مثل هذا العمل لبالغ في تنزيه نفسه ورعا ولعن من نسبه إليها فكيف يليق بالعاقل نسبة المعصية إليه؟!.
الثاني : أن حاصل القصة يرجع إلى أمرين إلى السعي وقتل رجل مسلم بغير حق وإلى الطمع في زوجته أما الأول فأمر منكر ؛ قال ـ عليه (الصلاة و) السلام : «من سعى في دم مسلم ولو بشرّ كلمة جاء مكتوب عليه بين عينيه آيس من رحمة الله» (٤). وأما الثاني فمنكر عظيم ، قال ـ عليه (صلاة و) السلام ـ : المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده (٥). وإن «أوريا» لم يسلم من داود لا في روحه(٦) ولا في منكوحه.
الثالث : أن الله تعالى وصف داود بصفات تنافي كونه ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ موصوفا بهذا الفعل المنكر فالصفة الأولى أنه تعالى أمر محمدا ـ صلىاللهعليهوسلم ـ (في) (٧) أن يقتدي بداود في المصابرة مع المكاره فلو قيل إنّ داود لم يصبر على مخالفة النفس بل سعى في إراقة دم مسلم لغرض شهوته (٨) فكيف يليق بأحكم الحاكمين أن يأمر محمدا أفضل الرسل بأن يقتدي بداود في الصبر على طاعة الله؟!. وأما الصفة الثانية فإنه وصفه بكونه عبدا له ، وقد بينا أن المقصود من هذا الوصف بيان كون ذلك الموصوف كاملا في وصف العبودية أما في القيام بأداء الطاعات والاحتراز عن المحظورات ، فلو قلنا : إن داود اشتغل بتلك الأعمال الباطلة فحينئذ ما كان داود كاملا إلّا في طاعة الهوى والشهوة. وأما الصفة الثالثة وهي قوله : (ذَا الْأَيْدِ) أي ذا القوة ولا شك أن المراد منه القوة في الدين لأن القوة في غير الدين كانت موجودة في ملوك الكفار ، ولا معنى للقوة في الدين إلا القوة الكاملة في أداء الواجبات والاجتناب عن المحظورات ، وأي قوة لمن لم يملك نفسه عن القتل والرغبة في زوجة المسلم؟! الصفة الرابعة : كونه أوّابا كثير الرجوع إلى الله تعالى فكيف يليق هذا بمن قلبه مشغوف بالقتل والفجور؟!. الصفة الخامسة : قوله تعالى : (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ) أفترى أنه سخرت له الجبال ليتخذوا (٩) سبيله
__________________
(١) سقطت من ب والرازي.
(٢) في ب بصورة وما هنا موافق للرازي.
(٣) ما بين القوسين كله سقط من ب.
(٤) رواه ابن ماجه في سننه ٢ / ٨٧٤ عن أبي هريرة.
(٥) رواه البخاريّ في صحيحه ١ / ١١ عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
(٦) كذا في الرازي وما في ب نفسه.
(٧) سقط من ب.
(٨) في «أ» شهرته والتصحيح من ب والرازي.
(٩) كذا في النسختين وما في الرازي ليتخذه وسيلة.