«لا تذكروا موتاكم إلا بخير» (١) ثم على تقدير أنّا لا نلتفت إلى شيء من هذه الدلائل إلّا أنّا نقول : إنّ من المعلوم بالضرورة أن بتقدير أن تكون القصة التي ذكرتموها في حقه صحيحة فإن روايتها وذكرها لا يوجب شيئا من الثواب ، لأن إشاعة الفاحشة إن لم توجب العقاب فلا أقل من ألّا توجب الثواب. وأما بتقدير أن تكون هذه القصّة باطلة فاسدة فإن ذكرها مستحق (٢) به أعظم العقاب ، والواقعة التي هذا شأنها وصفتها فإنّ صريح العقل يوجب السكوت عنها فثبت أن الحق ما ذهبنا إليه ، وأن شرح تلك القصة محرم محظور ، فلما سمع ذلك الملك الشديد هذا الكلام سكت ولم يذكر شيئا.
السابع : أن ذكر هذه القصة وذكر قصة يوسف ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ يقتضي إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا.
الثامن : لو سعى داود في قتل ذلك الرجل لدخل تحت قوله : «من سعى في دم امرىء مسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله».
وأيضا لو فعل ذلك لكان ظالما وكان يدخل تحت قوله : (أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) [هود : ١٨].
التاسع : عن سعيد بن المسيب أن علي بن أبي طالب قال : من حدّثكم بحديث داود على ما ترويه القصّاص فاجلدوه مائة وستين (٣) (جلدة) وهو حدّ الفرية على الأنبياء ، وما يقوي هذا أنّهم لما قالوا : إن المغيرة بن شعبة زنى وشهد ثلاثة من عدول الصحابة وأما الرابع فإنه لم يقل : إني رأيت ذلك بعيني فإن عمر بن الخطاب كذب أولئك الثلاثة وجلد كل واحد منهم ثمانين جلدة لأجل أنهم قذفوا ، فإذا كان الحال في واحد من آحاد الصحابة كذلك فكيف الحال مع داود عليه (الصلاة و) السلام؟! مع أنه كان من أكابر الأنبياء ـ عليهم (الصلاة و) السلام (٤) ـ.
العاشر : روي أن بعضهم ذكر هذه القصة على ما في كتاب الله ، ثم قال : فما ينبغي أن يزاد عليها وإن كانت الواقعة على ما ذكرت ثم إنه تعالى لم يذكرها لستر تلك الواقعة على داود عليه الصلاة والسلام فلا يجوز للعاقل أن يسعى في هتك ستر ستره الله ألف سنة أو أقل أو أكثر فقال عمر (٥) : سماعي هذا الكلام أحب إلي مما طلعت عليه الشمس.
__________________
(١) اختلف في لفظ هذا الحديث وصحته وضعفه فقيل : «اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساوئهم» أخرجه أبو داود في الأدب والترمذي في الجنائز من حديث معاوية بن هشام عن عمران بن أنس المكيّ عن ابن عمر ، وقال الحاكم : إنه صحيح الإسناد وروى النّسائيّ من حديث منصور ابن صفية عن أمه قالت : ذكر عند النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ هالك بسوء فقال : لا تذكروا هلكاكم إلّا بخير. وانظر هذا كله في المقاصد الحسنة ٤٦ و ٤٧.
(٢) في ب يستحق.
(٣) الرازي ٢٦ / ١٩٢.
(٤) وانظر هذا كله في حديث الرازي في المرجع السابق.
(٥) لم ينصّ الرازي ولا المؤلف فيما سبق على عمر هذا ولم يشر إليه. والخبر يفيد أن ذلك البعض الذي ـ