فثبت بهذه الوجوه التي ذكرناها أن القصة التي ذكروها باطلة فاسدة. فإن قال قائل : إن كثيرا من أكابر المحدثين المفسرين ذكروا هذه القصة فكيف الحال فيها؟!.
فالجواب الحقيقي : أنه لما وقع التعارض بين الدلائل القاطعة وبين خبر (كل) (١) واحد من أخبار الآحاد كان الرجوع إلى الدلائل القاطعة أولى. وأيضا فالأصل براءة الذمة ، وأيضا فلما تعارض ذكر التّحرّم والتحليل كان جانب التحريم أولى ، وأيضا طريقة الاحتياط توجب ترجيح قولنا ، وأيضا فنحن نعلم بالضرورة أن بتقدير (وقوع) (٢) هذه الواقعة لا يقول لنا الله يوم القيامة لم لم تسعوا في تشهير هذه الواقعة أما بتقدير كونها باطلة فإنه يوجب أن لا تجوز الشهادة بها ، وأيضا كل المفسرين لم يتفقوا على هذا القول ، بل الأكثرون والمحققون يردونه ويحكمون عليه بالكذب ، وإذا تعارضت أقوال المفسرين والمحدّثين تساقطت وبقي الرجوع فيه إلى الدلائل التي ذكرناها.
الاحتمال الثاني أن نحمل هذه القصة على حصول الصغيرة لا على حصول الكبيرة وذلك من وجوه :
الأول : أن هذه المرأة خطبها «أوريا» فأجابوه ، ثم خطبها داود فآثره أهلها فكان ذنبه أن خطب على خطبته أخيه المؤمن مع كثرة نسائه.
الثاني : قالوا إنه وقع بصره عليها فمال قلبه إليها وليس له في هذا ذنب ألبتّة ، أما وقوع بصره عليها من غير قصد فليس بذنب ، وأما حصول الميل عقيب النظر فليس أيضا ذنبا ، لأن الميل ليس في وسعه فلا يكون مكلفا به بل لما اتفق أنه قتل زوجها لأجل أنه طمع في أن يتزوج بتلك المرأة فحصلت (٣) بسبب هذا المعنى وهو أنه لم يشق عليه قتل ذلك الرجل.
والثالث : أنه كان أهل زمان داود عليه (الصلاة و) السلام يسأل بعضهم بعضا أن يطلق زوجته حتى يتزوجها وكانت عادتهم مألوفة مفهومة (٤) في هذا المعنى فاتفق أن عين داود (عليهالسلام) (٥) وقعت على تلك المرأة فأحبها فسألوه النزول فاستحيا أن يرده ففعل وهي أم سليمان فقيل له هذا وإن كان جائزا في ظاهر الشريعة إلا أنه لا يليق بك فإنّ حسنات الأبرار سيئات المقربين. فهذه وجوه ثلاثة لو حملنا هذه القصة على واحد منها لم يلزم في حقّ داود عليه (الصلاة و) السلام إلا ترك الأفضل ، والأولى.
الاحتمال الثالث (٦) : أن تحمل هذه القصة على وجه لا يلزم منه إيجاب كبيرة ولا
__________________
ـ حكى القول العاشر حكى القصة أمام شخص اسمه عمر فقال هذه الكلمة ولا يدرى أهو عمر بن الخطاب أم ابن عبد العزيز أم شخص غيرهما؟ ولعله سقط بيان ذلك من النساخ أو المطبعة.
(١) زيادة من «أ» على «ب» والرازي.
(٢) سقط من ب وانظر : الرازي ٢٦ / ١٩٢.
(٣) في الرازي : فحصلت الزلة بسبب هذا المعنى.
(٤) في ب : معهودة وفي الرازي معروفة.
(٥) سقطت من ب.
(٦) في ب : السادس خطأ.