قوله : «جنتان» فيه ثلاثة أوجه :
الرفع على البدل من (١) «آية» وأبدل مثنّى من مفرد لأن هذا المفرد يصدق على هذا (٢) المثنى وتقدم في قوله : (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً) [المؤمنون : ٥٠].
الثاني : أنه خبر مبتدأ مضمر (٣). وضعف ابن عطية الأول ولم يبينه (٤). ولا يظهر (٥) ضعفه بل قوته وكأنه توهم أنهما مختلفان إفرادا أو تثنية فلذلك ضعف البدل عنده والله أعلم (٦).
الثالث ـ وإليه نحا ابن عطية ـ أن يكون جنتان مبتدأ وخبره (عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ)(٧). وردّه أبو حيان بأنه ابتداء بنكرة من غير مسوغ واعتذر عنه بأنه قد يعتقد حذف صفة أي جنّتان لهم أو جنتان عظيمتان فيصح ما ذهب إليه (٨) وقرأ ابن أبي عبلة جنتين بالياء نصبا على خبر كان واسمها «آية» (٩).
فإن قيل : اسم كان كالمبتدأ ولا مسوغ للابتداء به حتى يجعل اسم كان والجواب أنه يخصص بالحال المتقدمة عليه وهي صفته في الأصل ألا ترى أنه لو تأخر «لسبأ» لكان صفة «لآية» في هذه القراءة (١٠).
قوله : (عَنْ يَمِينٍ) إما صفة لجنتان أو خبر مبتدأ مضمر أي هما عن يمين (١١). قال المفسرون أي عن يمين الوادي وشماله. وقيل : عن يمين من أتاها وشماله وكان لهم واد قد أحاط الجنتان بذلك الوادي(١٢).
قال الزمخشري : أيّة آية في جنتين مع أن بعض بلاد العراق فيها ألف من الجنان؟ وأجاب بأن المراد لكل واحد جنتين أو عن يمين أيديهم وشمالهم جماعات من الجنان ولإيصال بعضها ببعض جعلها جنة واحدة (١٣).
__________________
(١) التبيان ١٠٦٥ و ١٠٦٦ والبيان ٢ / ٢٧٨ وإعراب النحاس ٣ / ٣٣٨ ومعاني الزجاج وإعرابه ٤ / ٢٤٨ والمشكل في إعراب القرآن لمكي ٢ / ٢٠٦.
(٢) الدر المصون ٤ / ٤٢٧ وانظر : الكشاف أيضا ٣ / ٢٨٤.
(٣) معاني الفراء ٢ / ٣٥٨ قال : «الجنّتان مرفوعتان لأنهما تفسير للآية» والكشاف ٣ / ٢٨٤ وانظر : البحر المحيط ٧ / ٢٦٩ وانظر أيضا المراجع السابقة.
(٤) في كلتا النسختين ولم يبينه وفي الدر المصون ولم يثبته.
(٥) في «ب» ولم يظهره.
(٦) البحر المحيط ٧ / ٢٦٩ و ٢٧٠ والدر المصون ٤ / ٤٢٧.
(٧) السابقان.
(٨) المرجعان السابقان.
(٩) انظر ذلك في إعراب القرآن للنحاس ٣ / ٣٣٨ ، ومعاني القرآن للفراء ٢ / ٣٥٨.
(١٠) الدر المصون ٤ / ٤٢٧.
(١١) المرجع السابق.
(١٢) من هؤلاء الخازن والبغوي ٥ / ٢٨٧.
(١٣) نقله عنه الرازي في تفسيره ٢٥ / ٢٥٠ ، وانظر ذلك بالمعنى من الكشاف ٣ / ٢٨٤.