أراد أن يعقب بذكر أهل النار ذكر أهل الجنة ثم قال : (هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ)(١) وقيل (٢) : المراد هذا شرف وذكر جميل لهؤلاء الأنبياء يذكرون أبدا والصحيح الأول.
قوله : (وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ) المآب المرجع ، لما حكى سفاهة قريش على النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بقولهم : (ساحِرٌ كَذَّابٌ) وقولهم له استهزاء : (عَجِّلْ لَنا قِطَّنا) ثم أمره بالصبر على سفاهتهم واقتدائه بالأنبياء المذكورين في صبرهم على الشدائد والمكاره بين ههنا أن من أطاع الله كان له من الثواب كذا وكذا وكل من خالفه كان له من العقاب كذا وكذا. وذلك يوجب الصبر على تكاليف الله تعالى. وهذا نظم حسن ، وترتيب لطيف (٣).
قوله : (جَنَّاتِ عَدْنٍ) العامة على نصب «جنات» بدلا من (حُسْنَ مَآبٍ) سواء كانت (جَنَّاتِ عَدْنٍ) معرفة أم نكرة لأن المعرفة تبدل من النكرة وبالعكس ، ويجوز أن تكون عطف بيان إن كانت نكرة ولا يجوز ذلك فيها إن كانت معرفة (٤).
(وقد جوز الزمخشري (٥) ذلك بعد حكمه) واستدلاله على أنها معرفة ، وهذا كما تقدم له في مواضع يجيز عطف البيان وإن تخالفا تعريفا وتنكيرا (٦). وقد تقدم هذا في قوله تعالى : (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ) [آل عمران : ٩٧] ، ويجوز أن ينتصب (جَنَّاتِ عَدْنٍ) بإضمار فعل (٧) ، و «مفتّحة» حال من (جَنَّاتِ عَدْنٍ) أو نعت لها إن كانت نكرة (٨).
وقال الزمخشري : حال ، والعامل فيها ما في «المتّقين» من معنى الفعل. انتهى (٩).
وقد علل أبو البقاء بعلة في «متّكئين» تقتضي منع «مفتحة» أن تكون حالا وإن كانت العلة غير صحيحة فقال : ولا يجوز أن تكون ـ يعني (١٠) متكئين ـ حالا من «للمتقين» (١١) ؛ لأنه (١٢) قد أخبر عنهم قبل الحال (١٣). وهذه العلة موجودة في جعل «مفتّحة» حالا من للمتقين كما ذكره الزمخشري إلّا أنّ هذه العلة ليست صحيحة. وهو نظير قولك : «إنّ لهند (ما) (١٤) لا قائمة» وأيضا في عبارته تجوز فإن «للمتقين» لم يخبر
__________________
(١) وانظر : الدر المصون ٤ / ٦١٤ ، ٦١٥ والرازي ٢٦ / ٢١٨.
(٢) المرجع الأخير السابق.
(٣) السابق.
(٤) انظر هذا في الدر المصون ٤ / ٦١٥ والبيان ٢ / ٣١٦ والتبيان ١١٠٣ والمشكل ٢ / ٢٥٢.
(٥) ما بين القوسين سقط من ب.
(٦) قال جار الله في الكشاف ٣ / ٣٧٨ : وانتصابها على أنها عطف بيان «لَحُسْنَ مَآبٍ». والبصريون منعوا جريان عطف البيان على النكرة وقالوا : لا يجري إلا في المعارف كذا نقله عنهم الشلوبين. وذهب الكوفيون والفارسيّ والزمخشريّ إلى جواز تنكيرهما ومثلوا بقوله تعالى : «مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ» الخ. الهمع ٢ / ٢.
(٧) قاله السمين في الدر ٤ / ٦١٥.
(٨) السابق وانظر : تبيان العكبري ١١٠٣.
(٩) الكشاف ٣ / ٣٧٨.
(١٠) في ب : معنى. تحريف.
(١١) في ب والتبيان : المتقين.
(١٢) في ب : كأنه.
(١٣) التبيان ١١٠٣.
(١٤) لفظ (ما) سقط من أدون ب.