على أن لقائل أن يقول : إن «أزواجا» صفة للثلاثة الأشياء المتقدمة أعني الحميم والغساق وآخر من شكله فيلغى السؤال (١).
قوله : (هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ) مفعول «مقتحم» محذوف أي مقتحم النار ، والاقتحام الدخول في الشيء بشدة (٢) والقحمة الشدة (٣). وقال الراغب : الاقتحام توسط شدة مخيفة ومنه قحم الفرس فارسه أي توغل به ما يخاف منه ، والمقاحيم الذين يقتحمون في الأمر الذي يتجنب (٤).
قوله : «معكم» يجوز أن يكون نعتا ثانيا «لفوج» وأن يكون حالا منه لأنه قد وصف وأن يكون حالا من الضمير المستتر في «مقتحم» (٥). قال أبو البقاء : ولا يجوز أن يكون طرفا لفساد (٦) المعنى ، قال شهاب الدين : ولم أدر من أي وجه يفسد والحالية والصفة في المعنى كالظرفية (٧) ، وقوله : (هذا فَوْجٌ) إلى «النار» يجوز أن يكون من كلام الرؤساء بعضهم لبعض بدليل قول الأتباع (لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا) وأن يكون من كلام الخزنة ، ويجوز أن يكون (هذا فَوْجٌ) من كلام الملائكة والباقي من كلام الرؤساء. وكان القياس على هذا أن يقال : بل هم لا مرحبا بهم لا يقولون للملائكة ذلك إلا أنهم عدلوا عن خطاب الملائكة إلى خطاب أعدائهم تشفيا منهم. والمعنى هنا جمع كثيف وقد اقتحم معكم النار كما كانوا قد اقتحموا معكم في الجهل والضلال (٨) ، والفوج القطيع من النّاس وجمعه أفواج (٩).
(قوله) (١٠) : (لا مَرْحَباً) في «مرحبا» وجهان :
أظهرهما : أنه مفعول بفعل مقدر أي لا أتيتم مرحبا (أو لا (١١) سمعتم مرحبا.
والثاني : أنه منصوب على المصدر. قاله أبو البقاء (١٢) أي لا رحبتكم (١٣) داركم مرحبا) بل ضيقا ، ثم في الجملة المنفية وجهان :
__________________
(١) قاله الفراء من قبل انظر : المعاني ٢ / ٤١١.
(٢) قال في اللسان : «قحم الرّجل في الأمر يقحم قحوما واقتحم وانقحم ـ وهما أفصح ـ رمى بنفسه فيه من غير رويّة».
(٣) معاني القحمة الإثم والمهلكة والسنة الشديدة. المرجع السابق وانظر : الكشاف ٣ / ٣٧٩ والدر المصون ٤ / ٦٢٠.
(٤) نقله في المفردات «٣٩٤».
(٥) ذكرها أبو البقاء في التبيان ١١٠٥ والسمين في الدر ٤ / ٦٢١.
(٦) التبيان السابق.
(٧) الدر المصون ٤ / ٦٢١.
(٨) الدر المصون ٤ / ٦٢١ والكشاف ٣ / ٣٧٩ والبحر المحيط ٧ / ٤٠٦.
(٩) المجاز ٢ / ١٨٦.
(١٠) سقط من ب.
(١١) ما بين القوسين سقط من ب.
(١٢) التبيان ١١٠٥ والدر المصون ٤ / ٦٢١.
(١٣) لم يقل بتعدي فعل إلى المفعول إلا أبو علي عن هذيل وجاء في قول نصر بن سّيار «أرحبكم الدّخول في طاعة ابن الكرمانيّ» على الشذوذ ومن الجائز أن تقول : تعدي رحب إذا تضمن معنى (وسع).
انظر : شرح الشافية للرضي ١ / ٧٥ واللسان : «ر ح ب» ١٦٠٦ والدر المصون ٤ / ٦٢١.