قوله : (ثُمَّ جَعَلَ مِنْها) في «ثم» هذه أوجه :
أحدها : أنها على بابها من الترتيب بمهلة وذلك أنه يروى أنه تعالى أخرجنا من ظهر آدم كالذّرّ ، ثم خلق حواء بعد (١) ذلك بزمان.
الثاني : أنها على بابها أيضا ولكن لمدرك آخر وهو أن يعطف بها ما بعدها على ما فهم من الصفة في قوله «واحدة» إذ التقدير من نفس وحّدت أي انفردت ثم جعل منها زوجها (٢).
الثالث : أنها للترتيب في الإخبار لا في الزمان الوجوديّ كأنه قيل : كان من أمرها قبل ذلك أن جعل منها زوجها (٣).
(الرابع (٤) : أنها للترتيب في الأحوال والرّتب ، قال الزمخشري : فإن قلت : ما وجه قوله : (ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها)) وما تعطيه (٥) من التراخي؟ قلت : هما آيتان من جملة الآيات التي عددها دالا على وحدانيته وقدرته بتشعيب (٦) هذا الخلق الثابت للحصر من نفس آدم عليه (الصلاة و) السلام وخلق حواء (٧) من قصيراه (٨) إلا أنّ إحديهما جعلها الله عادة مستمرة والأخرى لم تجر بها العادة ولم تخلق أنثى غير حواء من قصيرى رجل فكانت أدخل في كونها آية وأجلب لعجب السامع فعطفها «بثمّ» على الآية الأولى للدلالة على مباينتها فضلا ومزيّة وتراخيها عنها فيما يرجع إلى زيادة كونها آية فهي (٩) من التراخي في الحال والمنزلة لا من التراخي في الوجود (١٠).
قال ابن الخطيب : إن كلمة «ثمّ» كما تجيء لبيان كون إحدى الواقعتين متأخرة عن الثانية فكذلك تجيء لبيان تأخر أحد المكانين (١١) عن الآخر كقول القائل : بلغني ما صنعت اليوم ثم ما صنعت أمس أعجب ، وأعطيتك اليوم شيئا ثمّ الّذي أعطيتك أمس أكثر (١٢).
قوله : (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) عطف على «خلقكم». والإنزال يحتمل الحقيقة ، يروى أنه خلقها في الجنة ثم أنزلها. ويحتمل المجاز. وله وجهان :
__________________
(١) قاله أبو حيان في البحر ٧ / ٤١٦ والسمين في الدر المصون ٤ / ٦٣٥.
(٢) السابق وانظر معاني الفراء ٢ / ٤١٥.
(٣) المرجعين السابقين.
(٤) ما بين القوسين سقط من ب بسبب انتقال النظر.
(٥) في الكشاف يعطيه بالياء.
(٦) وفيه تشعيب.
(٧) كذا في الكشاف وفي النسختين حوى قصرا.
(٨) القصيرى : أسفل الأضلاع وقيل : هي آخر ضلع في الجنب وقيل : القصرى والقصيرى : الضّلع التي تلي الشاكلة بين الجنب والبطن. انظر : اللسان : «ق ص ر» ٣٦٤٩.
(٩) في الكشاف : فهو.
(١٠) انظر : الكشاف ٣ / ٣٨٨.
(١١) في الرازي الكلامين.
(١٢) الرازي ٢٦ / ٢٤٤.