أحدهما : أنها لما لم تعش إلا بالنبات والماء والنبات إنما يعيش بالماء والماء ينزل من السحاب أطلق الإنزال عليها وهو في الحقيقة مطلق على سبب السبب كقوله :
٤٢٨٨ ـ أسنمة الآبال في ربابه (١)
وقوله :
٤٢٨٩ ـ صار الثّريد في رؤوس العيدان (٢)
وقوله :
٤٢٩٠ ـ إذا نزل السّماء بأرض قوم |
|
رعيناه وإن كانوا غضابا (٣) |
والثاني : أن قضاياه وأحكامه منزلة من السماء من حيث كتبها في اللوح المحفوظ ، وهو أيضا سبب في إيجادها (٤). وقال البغوي : معنى الإنزال ههنا الإحداث والإنشاء كقوله : (أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ)(٥) [الأعراف : ٢٦] ، وقيل : معناه : أنزل لكم من الأنعام جعلها نزلا لكم ورزقا ومعنى ثمانية أزواج أي ثمانية أصناف ، وهي الإبل والبقر والضّأن والمعز (٦) ، وتقدّم تفسيرها في سورة الأنعام.
قوله : «يخلقكم» هذه الجملة استئنافية ، ولا حاجة إلى جعلها خبر مبتدأ مضمر بل استؤنفت للإخبار بجملة فعلية (٧) ، وقد تقدم خلاف القراء في كسر الهمزة في «أمّهاتكم» (٨).
__________________
(١) من الرجز وقبله : كأنما الوابل في مصابه ، والآبال جمع إبل ، والأسنمة جمع سنام : وهو ما ارتفع من ظهر البعير والرّباب : السحاب الأبيض المثقل بالماء. وشاهده : «في ربابه» فهي محل للأسنمة فهو مجاز مرسل علاقته اعتبار ما سيكون. وانظر : البحر ٧ / ٤١٦ والدر المصون ٤ / ٦٣٦ وشرح شواهد الكشاف ٤ / ٣٣٩.
(٢) رجز كالذي قبله صدره
الحمد لله العزيز المنّان |
|
.......... |
ولم أهتد إلى قائله وشاهده كالذي قبله فمن غير المعقول أن يكون الثريد ـ وهو معروف ـ في رؤوس العيدان بل يكون فيها الحبّ الذي يوجد منه الدقيق ثم الخبز ثم الثريد فهو مجاز علاقته ما سيكون.
وانظر : البحر ٧ / ٤١٦ والدر المصون ٤ / ٦٣٦.
(٣) من الوافر لمعاوية بن مالك ويروى «السحاب» بدل السماء. وشاهده كما قبله أيضا من المجازية في «رعيناه» فإن المرعي هو النبات لا المطر فإنما المطر سبب فالعلاقة ما سيكون وانظر : الأصمعيات ٢١٤ والاقتضاب ٣ / ٨٣ واللسان : «س م ا» وإصلاح المنطق ٣٢٩ وديوان المفضليات ٣ ، والحماسة البصرية ١ / ١٧٣ وفتح القدير ٤ / ٤٥٠.
(٤) نقله الزمخشري في الكشاف ٣ / ٣٨٧ وأبو حيان في البحر ٧ / ٣١٧.
(٥) وانظر معالم التنزيل ٦ / ٦٧.
(٦) السابق.
(٧) قاله السمين في الدر ٤ / ٦٣٦ وأبو البقاء في التبيان ١١٠٨.
(٨) فقد قرأ حمزة بكسر الألف والميم والكسائي بكسر الهمزة وفتح الميم ، والباقون بضم الألف وفتح ـ