وحمزة. وقرأ «يرضه» بإسكانها وصلا من غير خلاف السّوسيّ (١) عن أبي عمرو ، وقرأ بالوجهين أعني الإسكان والصلة الدّوريّ عن أبي عمرو. وقرأ بالإسكان والتحريك من غير صلة هشام (٢) عن ابن عامر(٣). فهذه خمس مراتب (٤) للقراءة وقد تقدم توجيه الإسكان والقصر والإشباع أول الكتاب وما أنشد عليه ، ولا (٥) يلتفت إلى أبي حاتم في تغليطه راوي السكون ؛ فإنها لغة ثابتة عن بني عقيل وبني كلاب(٦).
قوله : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) قال الجبائي : هذا يدل على أنه لا يجوز أن يقال : إنه تعالى يأخذ (٧) الأولاد بذنوب الآباء واحتج به أيضا من أنكر وجوب ضرب الدية على العاقلة. ثم قال : (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ) وهذا يدل على إثبات البعث والقيامة (فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) وهذا يدل على تهديد العاصي وبشارة المطيع. وقوله : (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) كالعلة (٨) لما سبق أي إنه إنما ينبئكم بأعمالكم لأنه عالم بجميع المعلومات فيعلم ما في قلوبكم من الدواعي والصوارف قال ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : إنّ الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم.
قوله : (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ) لما بين فساد القول بالشّرك وبين أنه تعالى هو الذي يجب أن يعبد بين ههنا أن طريقة الكفار متناقضة لأنهم إذا مسهم الضر طلبوا دفعه من الله ، وإذا أزال ذلك الضر عنهم رجعوا إلى عبادة غيره فكان الواجب عليهم أن يتعرفوا بالله تعالى في جميع الأحوال لأنه القادر على إيصال الخير ودفع الشر فظهر تناقض طريقهم. والمراد بالإنسان الكافر ، وقيل المراد : أقوام معينين (٩) كعتبة بن ربيعة وغيره. والمراد بالضر جميع المكاره سواء كان في جسمه أو ماله أو في أهله وولده ، لأن اللفظ مطلق فلا معنى لتقييده.
__________________
(١) صالح بن زياد بن عبد الله بن اسماعيل أبو شعيب السّوسيّ ، الرّقيّ. مقرىء ، ضابط محرر ثقة أخذ عرضا وسماعا عن أبي محمد اليزيدي وحفص وروى عنه ابنه أبو المعصوم محمد وموسى بن جرير النحوي ، وأبو الحارث محمد بن أحمد الطرسوسي الرقي مات سنة ٢٧١ ه. انظر : غاية النهاية ١ / ٢٣٢ و ٢٣٣.
(٢) هو هشام بن عمار إمام أهل دمشق أبو الوليد السّلميّ ، الخطيب والمقرىء ، والمحدث ، والمفتي أخذ عن أيوب بن تميم كان مشهورا بالنقل والفصاحة والعلم والدراية مات سنة ٢٤٥ ه انظر : غاية النهاية في طبقات القراء.
(٣) وقد مرّ ترجمة أبي عامر أحد السبعة الكبار فيما مضى.
(٤) انظر هذه القراءات في الإتحاف ٣٧٥ والسبعة ٥٦٠ و ٥٦١ وإبراز المعاني ١٠٩ والكشف ٢ / ٢٣٦ وتفسير الرازي ٢٦ / ٢٤٧.
(٥) في ب ما يلتفت نفيا بما.
(٦) قاله أبو حيّان في البحر ٧ / ٤١٧ والسمين في الدر المصون ٤ / ٦٣٧ و ٦٣٨.
(٧) في ب يؤاخذ وكلاهما واحد.
(٨) في ب كالعلم. تحريف.
(٩) كذا في النسختين. والأصحّ : معيّنون على النعت ، وانظر هذا في تفسير الرّازي ٢٦ / ٢٤٧ و ٢٤٨ و ٢٥٠.