قوله تعالى : (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (١١) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (١٢) قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٣) قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي (١٤) فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (١٥) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ يا عِبادِ فَاتَّقُونِ (١٦) وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللهِ لَهُمُ الْبُشْرى فَبَشِّرْ عِبادِ (١٧) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ)(١٨)
قوله : (إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً (لَهُ الدِّينَ) أي مخلصا له) (١) التوحيد لا أشرك به شيئا ، وهذا هو النوع الثامن (٢) من البيانات التي أمر الله رسوله أن يذكرها.
قوله : (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ) في هذه اللام وجهان :
أحدهما : أنها للتعليل تقديره وأمرت بما أمرت به لأن أكون قال الزمخشري : فإن قلت : كيف عطف «أمرت» على «أمرت» وهما واحد؟ قلت : ليسا بواحد لاختلاف جهتيهما ؛ وذلك أن الأمر بالإخلاص وتكليفه شيء والأمر به ليحوز (٣) به قصب السبق في الدّين شيء آخر ، وإذا اختلف وجها الشيء وصفتاه ينزل بذلك منزلة شيئين مختلفين.
الثاني : أن تكون اللام مزيدة في «أن» قال الزمخشري : وذلك أن تجعل اللام مزيدة مثلها في قولك : أردت لأن أفعل. ولا تزاد إلّا مع «أن» خاصة دون الاسم الصريح كأنها زيدت عوضا من ترك الأصل إلى ما يقوم مقامه ، كما عوض السين في «أسطاع» عوضا من ترك الأصل الذي هو «أطوع» والدليل على هذا الوجه مجيئه بغير لام في قوله : (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [يونس : ٧٢ والنمل : ٩١] (و) (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [يونس : ١٠٤] (و) (٤)(أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ) [الأنعام : ١٤] انتهى (٥).
قوله : «ولا تزاد إلا مع أن» فيه نظر من حيث إنها تزاد باطّراد إذا كان المعمول متقدما (٦)
__________________
(١) ما بين القوسين سقط من ب بسبب انتقال النظر.
(٢) في ب والرازي النوع الثاني لا الثامن ، فالتصحيح من ب والرازي.
(٣) في الكشاف ليحرز القائم به الخ ...
(٤) زيادة للسياق.
(٥) وانظر : الكشاف للزمخشري ٣ / ٣٩١ و ٣٩٢ والدر المصون للسمين ٤ / ٦٤٢.
(٦) إذا كان معمول الفعل متقدما وكان عامله متأخرا عنه في اللفظ مثل : «لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ» من الأعراف يقول أبو العباس في المقتضب : «وتقول : لزيد ضربت ولعمرو أكرمت ، إذا قدمت المفعول لتشغل اللام ما وقعت عليه فإن أخرته فالأحسن ألا تدخلها» المقتضب ٢ / ٣٦.