قوله : (فِيهِ شُرَكاءُ) يجوز أن يكون هذا جملة من مبتدأ وخبر في محل نصب صفة «لرجل» (١) ويجوز أن يكون الوصف الجار وحده ، و «شركاء» فاعل به ، وهو أولى لقربه من المفرد (٢) ، و «متشاكسون» صفة «لشركاء» ، والتّشاكس (التخالف (٣) ، وأصله سوء الخلق وعسره ، وهو سبب التخالف ، والتشاجر ، ويقال : التّشاكس) والتّشاخس ـ بالخاء ـ موضع (٤) الكاف ، وقد تقدم الكلام على نصب المثل وما بعده الواقعين بعد ضرب. وقال الكسائي : انتصب «رجلا» على إسقاط الجار ، أي لرجل أو في رجل (٥) ، والمتشاكسون المختلفون العسرون (٦) ، يقال : شكس يشكس شكوسا وشكسا إذا عسر ، وهو رجل شكس أي عسر وشاكس إذا تعاسر قال الليث : التّشاكس التضاد والاختلاف ويقال : الليل والنهار يتشاكسان أي يتضادان إذا جاء أحدهما ذهب الآخر (٧). وقوله «فيه» صلة «لشركاء» كما تقول اشتركوا فيه أي في رقّة ، (قال (٨) شهاب الدين : وقال أبو البقاء كلاما لا يشبه أن يصدر من مثله بل ولا أقل منه قال : (فِيهِ شُرَكاءُ)) الجملة صفة «لرجل» و «فيه» متعلق (٩) بمتشاكسون ، وفيه دلالة على جواز تقديم خبر المبتدأ عليه انتهى أما هذا فلا أشك أنه سهو لأنه من حيث جعله جملة كيف يقول بعد ذلك : إن «فيه» يتعلق «بمتشاكسون». وقد يقال : أراد من حيث المعنى. وهو بعيد جدا ، ثم قوله : «وفيه دلالة» إلى آخره يناقضه أيضا وليست المسألة غريبة حتى يقول : «وفيه دلالة» وكأنه أراد وفيه دلالة على تقديم معمول الخبر على المبتدأ بناء منه على أن «فيه» يتعلق بمتشاكسون ، ولكنه فاسد ، والفاسد لا يرام صلاحه (١٠).
__________________
(١) التبيان ١١١١ والدر ٤ / ٦٤٩.
(٢) أورد ابن الأنباري في هذه الجملة مذهبي البصريّين والكوفيّين فقال : ضرب الله مثلا رجلا تقديره ضرب الله مثلا مثل رجل فحذف المضاف و «فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ» شركاء مرفوع بالظرف على المذهبين لأن الظرف وقع صفة لقوله «رجلا». والكوفيون يقدرون المتعلق اسما تقديره كائن أو مستقر ، والبصريون يقدرونه فعلا «استقر» وعلى ذلك فقول المؤلف بالرفع على الفاعلية مندرج في رأي الكوفيين. انظر : البيان ٢ / ٣٢٣ والدر المصون ٤ / ٦٤٩.
(٣) ما بين القوسين سقط كله من «ب» بسبب انتقال النظر.
(٤) أخذ المؤلف هذا من كلام الزمخشري في الكشاف قال : «والتشاكس والتشاخس الاختلاف تقول : تشاكست أحواله ، وتشاخست أسنانه وهما وإن كانا مادتين مختلفتين إلا أن معناهما واحد لكن يغلب التشاخس في الأشياء الحسية ذات الأجزاء المتنافرة» الكشاف ٣ / ٣٩٧ واللسان : «ش خ س» ٢٢١١.
(٥) ذكره عنه أبو حيان في بحره ٧ / ٤٢٤.
(٦) في ب بدل العسرون : قال المفسرون. تحريف.
(٧) انظر هذا كله في اللسان «ش ك س» ٢٣٠٨ وانظر معنى التشاكس في غريب القرآن لابن قتيبة ٣٨٣ ومعاني الفراء ٢ / ٤١٩ وزاد المسير ٧ / ١٧٩ والمجاز ٢ / ١٨٩ وتفسير الرازي ٢٦ / ٢٧٧.
(٨) ما بين القوسين سقط من نسخة ب.
(٩) في الدر المصون لشهاب الدين ونسخة ب : تتعلق. وانظر : الدر المصون ٤ / ٦٥٠ والتبيان لأبي البقاء ١١١١.
(١٠) هذا كله ردّ صاحب الدر المصون وهو شهاب الدين السمين على أبي البقاء الذي تناقض كلامه.