قوله : «فأكون» في نصبه وجهان :
أحدهما : عطفه على «كرّة» فإنها مصدر ، فعطف مصدرا مؤولا على مصدر مصرّح به كقولها(١) :
٤٣٠٨ ـ للبس عباءة وتقرّ عيني |
|
أحبّ إليّ من لبس الشّفوف (٢) |
وقول الآخر :
٤٣٠٩ ـ فما لك منها غير ذكرى وحسرة |
|
وتسأل عن ركبانها أين يمموا (٣) |
والثاني : أنه منصوب على جواب التمني (٤) المفهوم من قوله : (لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً)(٥) والفرق بين الوجهين أن الأول يكون فيه الكون متمنّى ويجوز أن تضمر «أن» وأن تظهر والثاني يكون فيه الكون مترتبا على حصول المتمني لا متمنّى ويجب أن تضمر «أن» (٦).
قوله : «بلى» حرف جواب وفيما وقعت جوابا له وجهان :
أحدهما : هو نفي مقدر ، قال ابن عطية : وحق «بلى» أن تجيء بعد نفي عليه تقرير ، كأن النفس قالت : لم يتسع لي النظر (٧) أو لم يبين لي الأمر (٨) ، قال أبو حيان : ليس (٩) حقها النفي المقدر بل حقها النفي ثم حمل التقرير عليه ولذلك أجاب بعض العرب النفي المقدر بنعم دون بلى ، وكذا وقع في عبارة سيبويه (١٠) نفسه.
__________________
(١) الدر المصون ٤ / ٦٥٨ والبحر ٧ / ٤٣٦ والفراء في المعاني ٢ / ٤٢٢ قال : «جعلته مردودا على تأويل أن تضمرها في الكرة كما تقول لو أن لي أن أكر فأكون».
(٢) من الوافر وهو لميسون بنت بحدل وشاهده نصب «تقر» بأن مضمرة جوازا حيث وقعت بعد واو العطف وقد تقدم.
(٣) رواه الفراء «وحسبة». وهو من الطويل. وشاهده كسابقه من عطف المصدر المؤول وهو «وتسأل» المضمر بعد واو جوازا عطفا على اسم خالص أو مصدر صريح وهو : «وحسرة» وانظر : معاني الفراء ٢ / ٤٢٣ والدر المصون ٤ / ٦٥٨ ، وجامع البيان للطبري ٢٤ / ١٤ والبحر المحيط ٧ / ٤٣٦ والقرطبي ١٥ / ٢٧٢.
(٤) وهو أحد الأنواع التي تدخل تحت الطلب من الاستفهام والعرض والتمني والرجاء ، والأمر ، والنهي ، والدعاء والطلب أحد النوعين أيضا اللذين ينصب المضارع بعد فاء السببية أقصد النفي والطلب فالنفي مثل : ما تأتينا فتحدثنا.
(٥) وقال بهذا الوجه أيضا الفراء في المعاني ٢ / ٤٢٢.
(٦) بالمعنى من البحر المحيط ٢ / ٤٣٦ وباللفظ من الدر المصون ٤ / ٦٥٩.
(٧) في البحر : فعمري في الدنيا لم يتسع للنظر. وانظر البحر ٧ / ٤٣٦.
(٨) المرجع السابق.
(٩) السابق.
(١٠) وعبارته : قيل له : ألست تعلم أن الصفة ... فإنه لا يجد بدّا من أن يقول : نعم ... أفلست تجعل هذا العمل ... فإنه قائل نعم. الكتاب ٢ / ٦٥٩.