العبد لو وقع بخلق العبد لكان ذلك الفعل غير موكول إلى الله تعالى فلم يكن الله وكيلا عليه وذلك ينافي عموم الآية (١).
قوله : (لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) «له مقاليد» جملة مستأنفة (٢) ، والمقاليد جمع مقلاد أو مقليد ، ولا واحد له من لفظه كأساطير وإخوته ، ويقال أيضا إقليد وأقاليد وهي المفاتيح ، والكلمة فارسية معربة (٣). وفي هذا الكلام استعارة بديعة نحو قولك : بيد فلان مفتاح هذا الأمر (٤) ، وليس ثم مفتاح ، وإنما هو عبارة عن شدة تمكنه من ذلك الشيء. قال الزمخشري : قيل سأل عثمان رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ عن تفسير قوله : (لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فقال : يا عثمان ما سألني عنها أحد قبلك تفسيرها لا إله إلا الله ، والله أكبر وسبحان الله وبحمده (و) (٥) أستغفر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله وهو الأول والآخر والظاهر والباطن بيده الخير يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير (٦).
وقال قتادة ومقاتل : مفاتيح السموات والأرض بالرزق والرحمة ، وقال الكلبي خزائن المطر والنبات(٧).
قوله : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) وهذا يقتضي أنه لا خاسر إلا الكافر وأن من لم يكن كافرا فإنه لا بد وأن يحصل له حظ من رحمة الله. قال الزمخشري : فإن قلت : بم اتصل قوله (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ) بقوله (لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)؟ قلت : إنه اتصل بقوله : (وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا) أي ينجي الله المتقين بمفازتهم ، والذين كفروا هم الخاسرون واعترض ما بينهما أنه خالق الأشياء كلها (٨) وأنه له مقاليد السموات والأرض.
قال ابن الخطيب : وهذا عندي ضعيف من وجهين :
الأول : أن وقوع الفصل الكثير بين المعطوف والمعطوف عليه بعيد.
الثاني : أن قوله : (وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا) (جملة فعلية) (٩) ، وقوله : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا
__________________
(١) وانظر كل هذا في تفسير الإمام الرازي ٢٧ / ١١.
(٢) الدر المصون ٤ / ٦٦١.
(٣) قال بهذا الزمخشري في الكشاف ٣ / ٤٠٦ ونقله السمين في الدر ٤ / ٦٦١ وفي اللسان : والمقلد مفتاح كالمنجل وقيل : الإقليد معرب وأصله كليد. أبو الهيثم : الإقليد المفتاح وهو المقليد ، والإقليد المفتاح يمانية والمقلد والإقلاد كالإقليد [«قلد» ٣٧١٧ و ٣٧١٨] وانظر : الخصائص ١ / ٩١ والمعرب للجواليقي (٢٠).
(٤) الدر المصون ٤ / ٦٦١.
(٥) زيادة من ب موافقة للكشاف.
(٦) الكشاف ٣ / ٤٠٧.
(٧) قاله البغوي في معالم التنزيل ٦ / ٨٣.
(٨) في الكشاف : وهو مهيمن عليها فلا يخفى عليه شيء من أعمال المكلفين فيها وما يستحقون عليها من الجزاء.
(٩) سقط من ب دون الرازي و «أ».