يبق لقول الملائكة : (فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) فائدة) ، وأجيبوا بأن (هذا) (١) الكلام إنما يبقى مفيدا إذا قلنا : إنهم إنما دخلوا النار لأنهم تكبروا (٢) على الأنبياء ولم يقبلوا قولهم ولم يلتفتوا إلى دلائلهم ، وذلك يدل على صحة قولنا. والله أعلم.
قوله : (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً).
فإن قيل : السّوق في أهل النار معقول لأنهم لما أمروا بالذهاب إلى موضع العذاب لا بد وأن يساقوا إليه ، وأما أهل الثواب فإذا أمروا بالذهاب إلى موضع السعادة والراحة فأيّ حاجة فيه إلى السّوق؟!.
فالجواب : من وجوه :
الأول : أن المحبة والصداقة باقية بين المتقين يوم القيامة كما قال تعالى : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) [الزخرف : ٦٧]. فإذا قيل لواحد منهم : اذهب إلى الجنة فيقول : لا أدخلها إلا مع أحبّائي وأصدقائي فيتأخرون لهذا السبب فحينئذ يحتاجون إلى السّوق إلى الجنة.
والثاني : أن المتقين قد عبدوا الله لا للجنة ولا للنار فتصير شدة استغراقهم في مشاهدة مواقف الجلال مانعا لهم من الرغبة في الجنة فلا جرم يحتاجون إلى أن يساقوا إلى الجنة.
والثالث : أن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قال : «أكثر أهل الجنة البله» فلهذا السبب يساقون إلى الجنة.
الرابع : أن أهل النار وأهل الجنة يساقون إلا أن المراد بسوق أهل النار طردهم إليها بالهوان والشدّة كما يفعل بالأسير الذي يساق إلى الحبس والقتل ، والمراد بسوق أهل الجنة سوق مراكبهم لأنه لا يذهب بهم إلا راكبين ، والمراد بذلك السوق إسراعهم إلى دار الكرامة والرّضوان كما يفعل بمن يكرم من الوافدين إلى الملوك فشتان ما بين السّوقين (٣).
قوله : (حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ) في جواب «إذا» ثلاثة أوجه :
أحدها : قوله : (وَفُتِحَتْ) والواو زائدة (٤). وهو رأي الكوفيين (٥) والأخفش (٦).
__________________
(١) كذلك.
(٢) في ب كفروا وكذبوا الأنبياء.
(٣) في ب الفريقين وما هنا في «أ» أعلى يوافق الرازي. وانظر هذا كله في الرازي ٢٧ / ٢٠ و ٢١. وقد سبقه ـ ولكن بإجمال ـ العلامة الزمخشري في الكشاف ٣ / ٤١٠ و ٤١١.
(٤) وعبر عنها الزجاج ناقلا لهذا الرأي بسقطه أي زائدة تسقط تقديرا انظر : معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٣٧٣ والبيان ٢ / ٣٢٧ والتبيان ١١١٤ ومشكل إعراب القرآن ٢ / ٢٦١ والبحر ٧ / ٤٤٣ والدر المصون ٤ / ٦٦٨.
(٥) أورد ابن الأنباري في كتابه الإنصاف في مسائل الخلاف في المسألة ٦٤ من ص ٤٥٦ إلى ٤٦٢ مزيدا من التفصيل متناولا رأي كلّ فريق.
(٦) معاني القرآن له ٦٧٣.