قوله : (لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) فيه لطيفة وهي أن الإنسان له جسم وروح ، فالأجسام أجزاؤها في الأرض والأرواح في السماء فقوله : (لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ) إشارة إلى علمه بالأرواح ، وقوله : (وَلا فِي الْأَرْضِ) إشارة إلى عمله بالأجسام فإذا علم الروح والأجسام قدر على جمعها فلا استبعاد في (١) الإعادة.
قوله : (وَلا أَصْغَرُ) العامة على رفع «أصغر وأكبر». وفيه وجهان :
أحدهما : الابتداء ، والخبر قوله (إِلَّا فِي كِتابٍ).
والثاني : النّسق على «مثقال» وعلى هذا فيكون : (إِلَّا فِي كِتابٍ) تأكيدا للنفي في: (لا يَعْزُبُ) كأنه قال لكنه في كتاب مبين (٢). وقرأ قتادة والأعمش ورويت عن أبي عمرو ونافع أيضا بفتح الراءين (٣). وفيها وجهان :
أحدهما : أنها «لا» التبرئة وبني اسمها معها ، والخبر قوله : (إِلَّا فِي كِتابٍ)(٤).
والثاني : النسق على «ذرّة» (٥) وتقدم في يونس أن حمزة قرأ بفتح راء «أصغر وأكبر» (٦) وهنا وافق على الرفع وتقدم البحث هناك.
قال الزمخشري : فإن قلت : هلّا جاز عطف : «ولا أصغر» على «مثقال» وعطف (وَلا أَكْبَرُ) على ذرة؟
قلت : يأبى ذلك حرف الاستثناء إلا إذا جعلت الضمير في «عنه» للغيب وجعلت الغيب اسما للخفيات قبل أن تكتب في اللوح المحفوظ لأن إثباتها في اللوح نوع من البروز عن الحجاب على معنى أنه لا ينفصل عن الغيب شيء ولا يزال عنه إلا مسطورا في اللوح (٧). قال أبو حيان : ولا يحتاج إلى هذا التأويل إذا جعلنا الكتاب ليس اللوح
__________________
(١) المرجع السابق.
(٢) السمين ٤ / ٤٠٨. وقد أجاز أبو البقاء في الرفع وجها واحدا وهو النسق فقال : «وبالرفع عطفا على مثقال» كما أجاز الجر فقال «وَلا أَصْغَرُ» بالجر عطفا على ذرة. التبيان ١٠٦٢.
(٣) ذكرها البناء في الإتحاف عن المطوعي وهي من الأربعة الشاذة فوق العشرة وانظر المختصر ١٢١.
(٤) يجوز في «لا» أن تكون عاملة ومهملة يقول ابن هشام في المغني ١ / ٢٤١ : «فأما قوله تعالى : وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ فظاهر الأمر جواز كون «أصغر وأكبر» معطوفين على لفظ «مثقال» أو على محله ، وجواز كون «لا» مع الفتح تبرئة ، ومع الرفع مهملة أو عاملة عمل ليس ويقوي العطف أنه لم يقرأ في سورة سبأ في قوله سبحانه وتعالى : «عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ» إلا بالرفع لما لم يوجد الخفض في لفظ مثقال». ولكن يشكل عليه أنه يفيد ثبوت العزوب عند ثبوت الكتاب فكأن ابن هشام رجح الرفع في لفظ «أصغر وأكبر».
(٥) وتقدم أنه رأي أبي البقاء في التبيان.
(٦) مراجع القراءات السابقة.
(٧) قاله الزمخشري في الكشاف ٣ / ٢٧٩ و ٢٨٠.