أقول : قريب منه ما رواه في الدرّ المنثور ، ومعنى : «استوخموا المدينة» استثقلوها ولم يوافق هواؤها أبدانهم لمرض ، كالوباء أو غيره ، وفي الحديث : «من أضلّه الله وأعمى قلبه ، استوخم الحقّ» ، أي : استثقله ولم يقبله وصار الشيطان وليّه وقرينه.
وكيف كان ، فالرواية من باب التطبيق وذكر المصداق للآية المباركة.
وفي الدرّ المنثور في قوله تعالى : (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا) قال : «خطب رسول الله صلىاللهعليهوآله الناس فقال : من لي بمن يؤذيني ويجمع في بيته من يؤذيني؟ فقام سعد بن معاذ فقال : إن كان منّا يا رسول الله قتلناه ، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا فأطعناك ، فقام سعد بن عبادة فقال : ما بك يا ابن معاذ طاعة رسول الله ، ولكن عرفت ما هو منك ، فقام أسيد بن حضير فقال : إنّك يا ابن عبادة منافق تحبّ المنافقين ، فقام محمد بن مسلمة فقال : اسكتوا أيّها الناس ، فإنّ فينا رسول الله وهو يأمرنا فننفذ لأمره ، فانزل الله تعالى الآية».
أقول : لعلّ وجه استنصاره صلىاللهعليهوآله بهم لامتحانهم بعد إتمام الحجّة عليهم ، فبيّن الله تعالى ما كان في ضمائرهم وكشف عن حقيقتهم. والرواية من باب التطبيق والجري لا التخصيص والحصر.
وفي تفسير القمّي في قوله تعالى : (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) ـ الآية ـ ، أنّها نزلت في أشجع وبنى ضمرة ، وهما قبيلتان ، وكان من خبرهم أنّه لما خرج رسول الله صلىاللهعليهوآله الى غزاة الحديبية أتى بدرا لموعد مرّ قريبا من بلادهم ، وقد كان رسول الله صلىاللهعليهوآله هادن بني ضمرة ووادعهم قبل ذلك ، فقال أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله : يا رسول الله ، هذه بنو ضمرة قريبا منّا ونخاف أن يخالفونا إلى المدينة ، أو يعينوا علينا قريشا ، فلو بدأنا بهم؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : كلا ، إنّهم أبرّ العرب بالوالدين وأوصلهم للرحم وأوفاهم بالعهد.