وقوله تعالى : (فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) جملة مركّبة من مبتدأ أوّل ، وهو اسم الإشارة ، و (مأواهم) مبتدأ ثان ، و (جهنّم) خبره الثاني ، والجملة خبر للمبتدأ الأوّل.
والاستثناء في قوله تعالى : (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ) منقطع ؛ لأنّ المستضعفين لم يندرج في الموصول وضمائره ، والمشار إليه بأولئك.
و (يدركه) في قوله تعالى : (ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ) مجزوم ، لأنّه جواب الشرط ، وقرئ برفع الكاف : «يدركه» على أنّه فعل مضارع مرفوع لتجرّده من الناصب والجازم ، والموت فاعله ، والجملة خبر لمبتدأ محذوف ، أي : (ثمّ هو يدركه الموت) ، والجملة الاسميّة معطوفة على الجملة الشرطيّة ، وإنّما قدّروا المبتدأ ليصحّ رفعه مع العطف على الشرط المضارع ، وقال بعضهم : يجب حينئذ جعل (من) موصولة ؛ لأنّ الشرط لا يكون جملة اسميّة. ولكنّه تطويل لا حاجة إلى تقدير المبتدأ. وقرئ بنصب الكاف بإضمار (ان) ، فتكون الآية الكريمة على الحثّ آكد ، وذكر بعضهم في وجه النصب أيضا أنّ الفعل الواقع بين الشرط والجزاء يجوز فيه الرفع والنصب والجزم لو وقع بعد الواو والفاء.
وكيف كان ، فالآيات الشريفة من أعلى درجات الفصاحة والبلاغة ، وهي تحثّ على الجهاد والهجرة في سبيل الله تعالى بأسلوب حسن ، تشوّق النفس إلى الثواب الجزيل المعدّ لهم ، وتحبط آمال المتقاعدين عن الجهاد والمستقرّين في دار الكفر وترك الهجرة منها ، وتبيّن سوء عاقبتهم.
وقد اشتمل قوله تعالى : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) على وجوه من البلاغة :
منها : أنّ اختيار (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً) على (وَمَنْ يُهاجِرْ) ؛