يظنون بالناس حسنا ، يجهلون حذق التصرّف في الدنيا ، وقد أقبلوا على آخرتهم ، عيشهم قليل الغموم ، يتجبّرون عليهم في الدنيا لفقرهم ورثاثة حالهم ، ولذلك استحقوا أن يكونوا أكثر أهل الجنّة ، كما ورد في الخبر : «أكثر أهل الجنّة البلهة» ، وما ذكره عليهالسلام من بعض المصاديق ، وليس المراد الأبله الّذي لا عقل له ، وفي الحديث : «عليك بالبلهاء ، قلت : وما البلهاء؟ قال : ذوات الخدود والعفائف». والفرق بين السفه والبله واضح كما ذكرناه في كتابنا (مهذب الأحكام).
ومنها : ما حدّده بمن لا يعرف اختلاف الناس ، كما في رواية أبي بصير عن الصادق عليهالسلام قال : «من عرف اختلاف الناس فليس بمستضعف» ، والمراد من اختلاف الناس معاشرتهم على طريق الشرع ، أو اختلاف مذاهبهم.
ومنها : ما حدّده بأهل الولاية على وجه العموم ، كما في رواية حمران قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن قول الله تعالى : (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ) ، قال : هم أهل الولاية. فقلت : أي ولاية؟ فقال : أما إنّها ليست بولاية في الدين ، ولكنّها الولاية في المناكحة والموارثة والمخالطة ، وهم ليسوا بالمؤمنين ولا بالكفّار ، وهم المرجون لأمر الله».
ولكن ذكرنا في التفسير أنّ المراد من المستضعف مطلق من لا حول له ولا سبيل ، سواء كان في النفس أو في البدن أو في الرأي أو في الحال ، ولجميع ذلك مراتب ، وبذلك يمكن الجمع بين الأخبار. فإنّ ما ورد فيها من باب ذكر المصاديق لا المعنى الحقيقي.
وفي تفسير العياشي عن الصادق عليهالسلام قال : «المستضعفين من الرجال والنساء لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا ، قال : لا يستطيعون سبيل أهل الحقّ فيدخلون فيه ، ولا يستطيعون حيلة أهل النصب فينصبون ، قال : هؤلاء يدخلون الجنّة بأعمال حسنة وباجتناب المحارم الّتي نهى الله عنها ، ولا ينالون منازل الأبرار».