أقول : الرواية مطابقة للعقل والفطرة ؛ لأنّ الله تعالى لا يكلّف أحدا أكثر من قدرته وعرفانه ما لم يتحقّق تقصير منه فيهما ، وأنّ لله منازل حسب درجات الإيمان ومدارج الأعمال ، ويدلّ على ما ذكرنا رواية ضريس الكناسي عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «قلت له : جعلت فداك ما حال الموحّدين المقرّين بنبوّة محمد صلىاللهعليهوآله من المذنبين الّذين يموتون وليس لهم إمام ولا يعرفون ولايتكم؟ فقال : أمّا هؤلاء فإنّهم في حفرهم لا يخرجون منها ، فمن كان له عمل صالح ولم يظهر منه عداوة ، فإنّه يخد له خدا إلى الجنّة الّتى خلقها الله بالمغرب ، فيدخل عليه الروح في حفرته إلى يوم القيامة حتّى يلقى الله فيحاسبه بحسناته ، فإمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النار ، فهؤلاء الموقوفون لأمر الله ، قال : وكذلك يفعل بالمستضعفين والبله والأطفال وأولاد المسلمين الّذين لم يبلغوا الحلم» ، والمراد من الخد : أنّه يشقّ له طريقا إلى الجنّة الّتي توارت في مغيبها عن الناظرين ، أي خلقها الله تعالى بالمغرب.
كما أنّ المراد من قوله عليهالسلام : «يدخل عليه الروح في حفرته إلى يوم القيامة» ، نحو من الإدراك وقسم من الشعور الّذي تحسّ النفس ، يعني من بدء وضعه في حفرته تشعر الروح بالسعادة أو الشقاء. وتقدّم معنى البله ، وأمّا الأطفال فهم الموقوفون لأمر الله تعالى ، أي : يمتحنهم في يوم القيامة كما في كثير من الروايات.
وفي الكافي عن أبي الحسن موسى عليهالسلام : «أنّه سئل عن الضعفاء؟ فكتب عليهالسلام : الضعيف من لم ترفع له حجّة ، ولم يعرف الاختلاف ، فإذا عرف الاختلاف فليس بضعيف».
أقول : هذه الرواية تدلّ على ما ذكرناه سابقا.
وعن علي عليهالسلام في كلام له في الإيمان ووجوب الهجرة : «والهجرة قائمة على حدّها الأوّل ما كان لله في أهل الأرض حاجة من مستسرّ الأمّة ومعلنها ، لا يقع اسم الهجرة على أحد بمعرفة الحجّة في الأرض ، فمن عرفها وأقرّ بها فهو مهاجر ، ولا يقع اسم الاستضعاف على من بلغته الحجّة فسمعتها أذنه ووعاها قلبه».