أقول : يبيّن عليهالسلام غرض الهجرة ومعناها ، وأنّ من أراد الفوز بمعارج اليقين والنيل إلى أعلى مراتب الإيمان فليهاجر إلى أئمة الدين عليهمالسلام ، فإنّ الهجرة باقية على أصولها الأوليّة وحدّها الّذي كان في أوّل البعثة ؛ لأنّ الغاية من الهجرة ليست إلّا الدنو إلى الحضور بالوصول إلى حضرة الرسول صلىاللهعليهوآله ، وهي بعد باقية ، فإنّ الأئمة المعصومين قائمون مقامه وهم خلفائه. وليس لله في طلب الهجرة من عباده حاجة ؛ لأنّه الغني المطلق والعزيز المقتدر ، وإنّما طلب منهم ذلك لأجل إيصال النفع إليهم ونجاتهم عن المهالك والشدائد بالإيمان به والركون إليه جلّ شأنه ، ولا يقع اسم المهاجر إلّا بمعرفة حجّة الله في أرضه والإيمان به ـ سواء كان نبيّا أو وصيّا ـ لتحقّق الغرض ، وهو الوصول ، ويؤكّد عليهالسلام ذلك من أنّ من بلغته الحجّة وعرفها لا يكون مستضعفا وإن لم يتجشم عناء السفر وكان في وطنه ، كما يدلّ على ذلك ما تقدّم من الروايات ، وما عن الصادق عليهالسلام : «أنّه سئل ما تقول في المستضعفين؟ فقال شبيها بالفزع : فتركتم أحدا يكون مستضعفا ، وأين المستضعفون؟! فو الله لقد مشى بأمركم هذا العوانق إلى العوانق في خدورهن ، وتحدّثت به السقاآت في طريق المدينة» ، يعني : لا يسوغ له التقصير في الإيمان بالحجّة بعد الظهور والسماع والمعرفة لكلّ أحد ، فلا يقع عليه اسم الاستضعاف حينئذ. والعوانق جمع عنق الرقبة.
وفي الكافي بإسناده عن إسماعيل الجعفي قال : «سألت أبا جعفر عن الدين الّذي لا يسع العباد جهله؟ قال : الدين واسع ولكن الخوارج ضيّقوا على أنفسهم من جهلهم ، قلت : جعلت فداك فأحدّثك بديني الّذي أنا عليه؟ فقال : نعم ، فقلت : اشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمدا عبده ورسوله ، والإقرار بما جاء به من عند الله تعالى ، وأتولّاكم وأبرأ من أعدائكم ومن ركب رقابكم وتأمرّ عليكم وظلمكم حقّكم ، فقال : والله ما جهلت شيئا هو والله الّذي نحن عليه ، فقلت : فهل يسلم أحد لا يعرف هذا الأمر؟ فقال : لا إلّا المستضعفين ، قلت : من هم؟ قال : نساؤكم