والآية المباركة وإن كانت مجملة من حيث بعض الشروط وبيان الكيفيّة ، إلّا أنّ السنّة الشريفة بيّنت خصوصيات الموضوع بيانا شافيا.
وتختصّ القصر بالصلاة الرباعيّة في السفر بالشروط المذكورة في الكتب الفقهيّة ، وهي أمور :
الأوّل : أن لا يكون السفر سفر معصية ، كالسفر لأجل شرب الخمر أو السرقة أو قطع الطريق وغيرها من الفواحش ، ولا يجب أن يكون طاعة ، كالسفر للجهاد أو الحجّ المفروض ، ولو كان مباحا كسفر التجارة وجب القصر ؛ ولذا لم يقيّد في الآية المباركة الضرب بكونه في سبيل الله تعالى كما في الآية السابقة.
الثاني : أن تتحقّق المسافة الشرعيّة ، وهي ثمانية فراسخ ـ أو أربعة فراسخ إذا رجع في نفس يومه ـ أو (٤٤) كيلو متر على التفصيل المذكور في الكتب الفقهيّة. وقد اختلفت المذاهب في هذا الشرط ، فقال أبو حنيفة : مسيرة ثلاثة أيّام ولياليها بسير الإبل ومشي الأقدام بالاقتصاد في البرّ ، وجري السفينة والريح معتدلة في البحر. وقال الشافعي : التقدير بيوم وليلة. والمشهور بينهم التقدير بالفراسخ ، واختلفوا ، فقال بعضهم : إنّه أحد وعشرون فرسخا ، وقال آخرون : ثمانية عشر وآخرون خمسة عشر.
الثالث : أن يكون المسافر قاصدا للسفر ، فلا قصر على الذاهل والمتردّد ، ويستفاد هذا الشرط من ظاهر الآية المباركة : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) كما عرفت.
الرابع : استمرار القصد ، فلو عدل عن قصده قبل بلوغ المسافة الشرعيّة ، أو تردّد ، أتمّ للأدلّة الّتي ذكرناها في كتابنا (مهذب الأحكام).
الخامس : أن لا يكون ممّن بيته معه ، كأهل البوادي الّذين ينزلون البراري في محلّ العشب والكلأ ومواضع القطر واجتماع الماء ؛ لعدم صدق المسافر عليهم ، وكذا لا يكون من الّذين اتّخذوا السفر عملا وشغلا لهم ، كالمكاري والسائق والساعي