أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً* وَاسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً* وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً) ، ثمّ قال للذين أتوا رسول الله ليلا : (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ) ـ إلى قوله تعالى ـ (وَكِيلاً) ، يعني الّذين أتوا رسول الله صلىاللهعليهوآله مستخفين يجادلون عن الخائنين ، ثمّ قال : (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً) ، يعني السارق والّذين جادلوا عن السارق».
أقول : الرواية من باب التطبيق ، وقد ورد هذا المعنى بطرق كثيرة وباختلاف يسير ، وأمّا المضمون فهو متّفق عليه ، وكلّها من باب الجري لا التخصيص ، ولا بدّ من تطبيقها على ما لا ينافي العصمة ، كما يأتي والله العالم.
وفي أسباب النزول للواحدي : «أنزلت الآية المباركة كلّها في قصة واحدة وذلك أنّ رجلا من الأنصار يقال له : طعمة بن أبيرق أحد بني ظفر بن الحارث ، سرق درعا من جار له يقال له : قتادة بن النعمان وكانت الدرع في جراب فيه دقيق ، فجعل الدقيق ينثر من خرق في الجراب حتّى انتهى إلى الدار وفيها أثر الدقيق ، ثمّ خبّأها عند رجل من اليهود يقال له : زيد بن السمين ، فالتمست الدرع عند طعمة فلم توجد عنده وحلف لهم : والله ما أخذها وما له به من علم ، فقال أصحاب الدرع : بلى والله ، قد أولج علينا فأخذها وطلبنا أثره حتّى دخل داره فرأينا أثر الدقيق ، فلما أن حلف تركوه واتّبعوا أثر الدقيق حتّى انتهوا إلى منزل اليهودي فأخذوه ، فقال : دفعها إليّ طعمة بن أبيرق ، وشهد له أناس من اليهود على ذلك ، فقالت بنو ظفر ـ وهم قوم طعمة ـ : انطلقوا بنا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فكلّموه في ذلك وسألوه أن يجادل عن صاحبهم وقالوا : إن لم تفعل هلك صاحبنا وافتضح وبرئ اليهودي ، فهمّ رسول الله صلىاللهعليهوآله أن يفعل ـ وكان هواه معهم ـ وأن يعاقب اليهودي حتّى أنزل الله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِ)».