و (كلّ) في قوله تعالى : (فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ) منصوب على المصدريّة ، والمعروف أنّها بحسب ما يضاف إليه من مصدر أو ظرف أو غيره.
وحذف النون في (فَتَذَرُوها) إمّا لأجل (أن) الناصبة المضمرة في جواب النهي. وإمّا لأجل الجازم ؛ لأنّه معطوف على الفعل قبله ، وهو الأصحّ.
و (أن) في قوله تعالى : (أَنِ اتَّقُوا اللهَ) إمّا على أنّها مصدريّة ، بتقدير الجارّ ، أي : بأن (اتَّقُوا اللهَ) ، أو تكون مفسّرة للوصية ؛ لأنّ فيها معنى القول ، وهو يرجع إلى الأوّل أيضا.
وجملة : «وان تكفروا فإن لله ما في السموات وما في الأرض» ، إمّا جملة مستأنفة خوطب بها هذه الأمّة إكراما وتعظيما لهم. وإمّا عطف على (وَصَّيْنَا) بتقدير (قلنا) ، أي : وصينا وقلنا : (وَإِنْ تَكْفُرُوا) ، فالخطاب يكون للجميع ـ لهذه الأمّة ولغيرها من الأمم ـ. وقيل : إنّه عطف على (اتَّقُوا اللهَ).
وأمّا قوله تعالى : (أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ) فقد وقع الكلام في لفظ الآخر ، في أنّه هل يشترط فيه الاتّحاد في الجنس أم لا يشترط ذلك ، فذهب جمع من العلماء إلى الاشتراط. وقالوا بأنّ لفظ (آخر) و (أخرى) وجمعهما ، لا يوصف به إلّا ما يجانس المذكور قبله ، وبذلك يشبه : سائر وبقية وبعض ، قال تعالى : (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى* وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) [سورة النجم ، الآية : ١٨ ـ ١٩] ، فوصف عزوجل مناة بالأخرى لمّا جانست العزى واللات ، وقال تعالى : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [سورة البقرة ، الآية : ١٨٦] ، فإنّه وصف الأيّام بالآخر ؛ لكونها من جنس الشهر ؛ ولذلك خطّأوا قولهم : (ابتعت عبدا وجارية اخرى) ؛ لأنّ الجارية ليست من جنس العبد ؛ لأنّه مذكر وهي مؤنّثة ، كما لا يقال : جاءت هند ورجل آخر.
وذكروا في وجه ذلك بأنّ (آخر) من قبيل (افعل) الّذي يصحبه (من) ، وتحذف غالبا لدلالة الكلام عليها وكثرة استعمال (آخر) في النطق ، وحينئذ لا بدّ