وصفا للرادّين ، أي : أنّ الّذين أشاعوا الأخبار الكاذبة ـ حداث البلبلة والفوضى في صفوف المؤمنين ـ لو ردّوا تلك الأخبار إلى الرسول صلىاللهعليهوآله والى أولي الأمر من المؤمنين بدلا من إشاعته لعرفوا حقيقته من دون الوقوع في الإشاعة والآثار السيئة المترتّبة عليها ، لأنّ قيادتهم يعرفون الحقّ والصدق فيها بحكم ما اكتسبوه من التجارب ، وما أفاضه البارئ عليهم ، أو يكون المعنى لعرف الرادّون الأخبار الصحيحة واستخرجوها من الأخبار الكاذبة.
قوله تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلاً).
بيان لرعايته عزوجل لهذه الأمة ، فإنّها هي الّتي تبعث الأمل فيهم وتحفظهم من الانهيار والضياع وتصونهم من الآثار المترتّبة على كيد المنافقين وزيغهم وأباطيلهم.
وفضل الله تعالى إن كان المراد منه الرسول الكريم والقرآن المجيد ، فالمراد من الشيطان أولياء الضلال ، كأبي سفيان ونحوه ، وإن كان المراد به ظاهر الإسلام فالمراد بمتابعة الشيطان العود إلى الكفر والجاهلية الأولى.
وعلى أي تقدير ، فالمقصود بالمتابعة المنفية هي المتابعة في ظاهر الإسلام ، لا المتابعة في الأحكام العمليّة وفروع الدين ، فإنّ أكثر الناس متابعون الشيطان إلّا النادر كما هو المعلوم ، ومنه يظهر وجه الاستثناء من غير حاجة إلى تكلّف.
وممّا ذكرنا يظهر الوجه في الاستثناء ، فيكون المعنى : لو لا فضل الله عليكم في الهداية والتوفيق للمتابعة ، لا تبعتم الشيطان وخرجتم عن الصراط المستقيم إلّا قليلا منكم ، وهم الّذين أخلصوا في إيمانهم وسلّموا أمرهم لله تعالى والرسول صلىاللهعليهوآله.
ومضمون الآية الكريمة عامّ يمكن أن يشمل جميع الموارد ، ولها مظاهر مختلفة ، فلا تختصّ بمورد خاصّ وإن كان نزولها في أمر خاص ، وتشير إلى قصة بدر الصغرى وبعث أبي سفيان نعيم بن مسعود الأشجعي إلى المدينة لبسط الخوف