والمادة الاولى ومادة المواد ، وانما اختلفوا فى ان ذلك ما هو فذهب القائلون بالجزء بطوائفهم الثلاث الى ان ذلك هى الاجزاء تجتمع منها جملة فتتكون جسما ، وهذا المطلب باطل لبطلان اصله ، ولانه لو كان كذلك لما حلت الصور المختلفة النوعية فيها ولكانت الاجسام كلها حقيقة واحدة لان حصول صورة دون صورة فى المادة انما هو بحصول مزاج خاص واستعداد خاص فيها يستدعيان تلك الصورة النوعية الخاصة وحصول المزاج والاستعداد كذلك انما هو بتكاسر الاجزاء وتفاعلها على وجه خاص والتكاسر والتفاعل انما يحصلان بعد انحلال الاجزاء فلو لا الانحلال لكانت الاجزاء باقية بحالها على هيئة الاجتماع فلا موجب لحلول الصور المختلفة فى المادة الواحدة ، ولان الجزء من حيث هو جزء لا محالة يكون له تعين وهو اما تعين مائى او ارضى او نارى او هوائى او غيرها مما لا ندرى اسمه لو امكن والمادة لا بد ان لا يكون لها بنفسها تعين لتجتمع مع كل من التعينات المختلفة اذ لا يجتمع تعين مع تعين آخر كما ان الماء مثلا من حيث هو ماء لا يمكن ان يقبل تعين الهواء فالقابل لتعين الهواء هو المادة التى حلت فيها الصورة المتعينة المائية.
وذهب افلاطون واتباعه وجماعة من المتكلمين وابو البركات البغدادى وشيخ الاشراق والمصنف الى ان مادة المواد هى الحقيقة الجسمية المطلقة المتقومة بالابعاد الثلاثة الحال فيها الصور النوعية والجسم هو هذه الحقيقة وليست سوى هذه مادة للاجسام المختلفة.
وذهب ارسطاطاليس واتباعه وابو نصر الفارابى والشيخ ابن سيناء وكثير من حكماء الاسلام الى ان مادة المواد هى جوهر هو محل للحقيقة الجسمية المطلقة والجسم هو مجموع المحل والحال ، والشارح العلامة ذكر هاهنا برهانا لهم والمصنف ردّ مذهبهم بلزوم التسلسل او وجود ما لا يتناهى.
قول الشارح : ان الجسم البسيط لا جزء له ـ يعنى ان الجسم المطلق ليس مركبا من محل هو الهيولى وحال هو الصورة الجسمية كما ذهب إليه الشيخ وغيره بل هى حقيقة واحدة بسيطة هى محل لسائر الصور كما عليه المصنف وغيره.