قوله : ابو البركات البغدادى ـ قال القفطى فى اخبار العلماء : هبة الله بن ملكا ابو البركات اليهودى فى اكثر عمره المهتدى فى آخر امره اوحد الزمان طبيب فاضل عالم بعلوم الاوائل من يهود بغداد قريب العهد من زماننا كان فى وسط المائة السادسة وكان موفق المعالجة لطيف الاشارة وقف على كتب المتقدمين والمتأخرين فى هذا الشأن واعتبرها واختبرها فلما صفت لديه وانتهى امرها إليه صنف فيها كتابا سماه المعتبر اخلاه من النوع والرياضى واتى فيه بالمنطق والطبيعى والإلهى فجاءت عبارته فصيحة ومقاصده فى ذلك الطريق صحيحة وهو احسن كتاب صنف فى هذا الشأن فى هذا الزمان ولما مرض احد السلاطين السلجوقية استدعاه من مدينة السلام وتوجه نحوه ولاطفه الى ان برء فاعطاه العطايا الجمة من الاموال والمراكب والملابس والتحف وعاد الى العراق على غاية ما يكون من التجمل والغنى وسمع ان ابن افلح قد هجاه بقوله :
لنا طبيب يهودى حماقته |
|
اذا تكلم تبدو فيه من فيه |
يتيه والكلب اعلى منه منزلة |
|
كانه بعد لم يخرج من التيه |
فلما سمع ذلك علم انه لا يجل بالنعمة التى انعمت عليه الا بالاسلام فقوى عزمه على ذلك وتحقق ان له بنات كبارا وانهن لا يدخلن معه فى الاسلام وانه متى مات لا يرثنه فتضرع الى خليفة وقته فى الانعام عليهن بما لا يخلفه وان كن على دينهن فوقع له بذلك ولما تحققه اظهر اسلامه وجلس للتعليم والمعالجة وقصده الناس وعاش عيشة هنيئة واخذ الناس عنه مما تعلمه جزءا متوفرا قال لى بعض اهل الفضل ان اوحد الزمان أبا البركات هذا كان جالسا فى مجلسه للاقراء وعليه ثوب اطلس مثمن احمر اللون من خلع السلجوقى اذ دخل عليه رجل من اوساط اهل بغداد وشكا إليه سعالا ادركه وقد طالت مدته ولم ينجع فيه دواء فامره بالقعود فقال له اذا سعلت وقطعت شيئا فلا تتفله حتى اقول لك ما تصنع فقعد ساعة وقطع فاستدعاه إليه وادخل يده فى كم ذلك الثوب الاطلس وقال له اتفل فيه فتوقف خشية على موضع يده من الثوب فانتهره فتفل وضم اوحد الزمان يده على ما فيها من الثوب والتفلة واخذ