قوله : وهو اقوى ـ قال ابن سيناء فى الاشارات فى اوّل النمط الثامن : انه قد سبق الى الاوهام العامية ان اللذات القوية المستعلية هى الحسية وان ما عداها لذات ضعيفة وكلها خيالات غير حقيقية وقد يمكن ان ينبه من جملتهم من له تمييز ما فيقال له أليس الذماء تصفونه من هذا القبيل هو المنكوحات والمطعومات وامور تجرى مجراها وانتم تعلمون ان المتمكن من غلبة ما ولو فى امر خسيس كالشطرنج والنرد قد يعرض له مطعوم ومنكوح فيرفضه لما يعتاضه من لذة الغلبة الوهمية وقد يعرض مطعوم ومنكوح لطالب العفة والرئاسة مع صحة جسمه فى صحبة حشمه فينفض اليد منهما مراعاة للحشمة فتكون مراعاة الحشمة آثر وألذ لا محالة هناك من المطعوم والمنكوح واذا عرض للكرام من الناس الالتذاذ بانعام يصيبون موضعه آثروه على الالتذاذ بمشتهى حيوانى متنافس فيه وآثروا فيه غيرهم على انفسهم مسرعين الى الانعام به وكذلك فان كبير النفس يستصغر الجوع والعطش عند المحافظة على ماء الوجه ويستحقر هول الموت ومفاجاة العطب عند مناجزة المبارزين وربما اقتحم الواحد على عددهم ممتطيا ظهر الخطر لما يتوقعه من لذة الحمد ولو بعد الموت كان ذلك يصل إليه وهو ميت فقد بان ان اللذات الباطنية مستعلية على اللذات الحسية وليس ذلك فى العاقل فقط بل وفى العجم من الحيوانات فان من كلاب الصيد ما يقتنص على الجوع ثم يمسكه على صاحبه وربما حمله إليه والراصغة من الحيوانات تؤثر ما ولدته على نفسها وربما خاطرت محامية عليه اعظم من مخاطرتها فى ذات حمايتها نفسها فاذا كانت اللذات الباطنة اعظم من الظاهرة وان لم تكن عقلية فما قولك فى العقلية.
اقول : ان المنكرين للذات العقلية انما ينكرونها لانهم لم يذوقوها لانغمارهم فى الامور المادية واترافهم فى اللذات الحسية وغفلتهم عما يليق بالنفس الانسانية فان الناس اعداء لما جهلوا ومكذبون لما لم يحيطوا به علما.