واما الجواب عن شبهتهم فان استواء الاثنين فى جميع الامور مستحيل اذ لا اقل من التفاوت بينهما فى المكان والجهة والقرب
من الفاعل او القرب من يمينه التى يفعل بها غالبا ، هكذا قيل ، والاحسن فى الجواب ان يقال : ان اعتقاد النفع والميل مرجح لجانب الوجود على العدم فيما له نفع وإليه ميل ، لا انه مرجح لفرد على آخر اذ افراد الحقيقة المطلوبة متساوية فى ذلك ، كل منها يصير بدلا عن الباقية ، لا دخل لتعين الفرد وتشخصه فى المطلوبية كما اشير إليه فى كلامهم آنفا ، فلا احتياج الى مرجح لاحدهما على غيره سواء كانت كلها متفقة فى جميع الامور أم كانت مختلفة.
الرابع التفات واقبال نحو الفعل ليرتكبه يعقب ذلك الميل والشوق ويقال له الشوق الاكيد والاجماع ، وهذا يفارق الميل فى ان الميل حاصل ولو كان فى البين مانع عن ايجاد الفعل او معارض او جهة ضارة فى الفعل تعارض الجهة النافعة فيه فيحصل للفاعل تردد وتأمل ، ولكن الاجماع لا يحصل الا اذا كان جميع هذه منتفية ، والحكماء ذهبوا الى ان الإرادة هى هذا الشوق الاكيد المسمى بالاجماع ، والمصنف مشى فى المسألة العاشرة من الفصل الثالث من المقصد الاول ممشى الحكماء ، فالكراهة على مذهبهم هى الاجماع على الترك والانقباض الاكيد عن الفعل.
فاذا كملت هذه الامور الاربعة يحصل بقوة مستودعة منبثة فى العضلات حركات فيها هى خامس المبادى لتحقق الفعل فيتحقق.
قول الشارح : علم الحى او اعتقاده او ظنه ـ اى علمه المطابق للواقع او اعتقاده المنقسم الى التقليد والجهل المركب وظنه المطابق له او اللامطابق له.
قوله : وهو يفارق الشهوة الخ ـ يعنى هذا العلم الّذي هو الإرادة يغاير الشهوة لمفارقته اياها فى بعض الموارد كالمثال المذكور فليست هى الإرادة ، وهذا رد لهولاء الآخرين القائلين بان الإرادة ميل يعقب هذا العلم.
اعلم ان الشهوة قدير ادبها الميل المتعقب لاعتقاد النفع مطلقا سواء كان عقليا او غير عقلى ، وقد يراد بها نوع من هذا المطلق وهو الميل نحو جلب النافع الغير