ثم انه لا يأبى بل يقرب جدا رجوع مذهب ابى الهذيل وابى على وابى هاشم الى هذا القول ، فانظر.
اقول : لا شبهة ولا نزاع فى انه تعالى لا يخفى عليه شيء ولا يغفل عن شيء ولا يعزب عنه مثقال ذرة فى الارض ولا فى السماء ولا اصغر من ذلك ولا اكبر الا فى كتاب مبين ، ولا شبهة أيضا انه تعالى ليس بين علمه بالفعل ونفس الفعل شوق وتروّ وتفكر وهمّ وتردد وغير ذلك مما يعترى انفسنا ويختلط بإرادتنا ويتوسط بين علمنا بالشيء واحداثنا اياه لانه تعالى ليس محل الحوادث ، فلا يبقى مما يصح ان نسميه الإرادة فى حقه تعالى الا علمه بالاشياء او احداثه لها ، فطائفة ممن ذكرنا ذهبوا الى الاول ، واخرى الى الثانى ولا يعبأ بمذاهب آخرين.
ثم لا يخفى ان الإرادة بحسب المفهوم ليست بالعلم بل هو تطلب الشيء نفسا او طبعا او غيرهما لشيء بحيث ان اجتمع شرائطه ولم يمنعه مانع لوقع هو منه ، وهذا المفهوم عام لا يختص بذوى الشعور فان الجدار الّذي تضعضعت قواعده يريد ان ينقض بطبعه فمغايرة مفهوم الإرادة لمفهوم العلم غير خفى على المطلع بمواضع استعمالها فى اى لغة يفرض ، وحقيقة هذا المفهوم ومصداقه فينا هو الشوق الاكيد المستعقب لحركة العضلات ، فتفسيرها بالعلم انما هو تفسير حقيقى وبيان لحقيقتها ومصداقها فى حقه تعالى ، واباء المفيد عن اطلاق المريد عليه الا اتباعا لوروده فى القرآن كما حكينا عنه انما هو لذلك لان مفهوم الإرادة هذا لا ينطبق على مصداقها وحقيقتها فى حقه تعالى والحاصل ان ما يتحقق به فينا الإرادة وبه يكون مصداقها فينا يبتدئ بعلمنا بالفعل وينتهى الى احداثنا له على الترتيب الّذي مر فى المسألة الخامسة والعشرين من الفصل الخامس فى مباحث الاعراض التسعة ، وحيث ان تلك الامور الواقعة بين العلم والاحداث ممتنعة فى حقه تعالى فحقيقة ارادته تعالى واحد منهما.
ان قلت : ان وجه تفسير حقيقة ارادته تعالى بالعلم هو اتحادهما حقيقة والاتحاد لا يختص بهما ، بل كل صفة من صفاته الذاتية متحدة مع الاخرى والكل مع الذات كما